لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أصل هذا العمل ليس مسألة مهمّة.. لأنّ الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبّوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل. إنّما المهم عند علماء التّفسير هو تعبيرات موسى(ع) التي ولّدت إشكالات عندهم. فهو تارة يقول: (هذا من عمل الشيطان). وفي مكان آخر يقول: (ربّي إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي). فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم. ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة، وهو أن ما صدر من موسى(ع) هو من قبيل "ترك الأولى" لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأنّ قتل القبطي لم يكن أمراً هيناً حتى يعفو عنه الفراعنة. ونعرف أن ترك الأُولى لا يعني أنّه عمل حرام ذاتاً، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالف ومناف لذلك العمل!. ونظير هذه التعابير ما ورد في بعض قصص الأنبياء من جملتهم أبو البشر آدم(ع) التي تقدم شرحه في ذيل الآية (19) من سورة الأعراف. ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) في تفسير الآياتالمتقدمة: "قال هذا من عمل الشيطان" يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجل لا ما فعله موسى (ع) من قتله "إنّه" يعنى الشيطان "عدوّ مضل مبين" - وأمّا المراد من جملة - "ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفرلي" يعنى ان موسى يريد أن يقول وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة "فاغفرلي" أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني...".(4) 2 - دعم المجرمين وإسنادهم من أعظم الآثام: هناك باب مفصل في الفقه الإسلامي فيه أحاديث وافرة تتحدث حول "الإعانة على الإثم" و"معاونة الظلمة" وتدل على أن واحداً من أسوأ الآثام إعانة الظالمين والمجرمين، وتكون سبباً لأن يشترك المعين في مصيرهم الأسود. وأساساً فإنّ الظلمة والمجرمين - أمثال فرعون - في المجتمع أيّاً كان هم أفراد معدودون، وإذا لم يساعد المجتمع هؤلاء لم يكونوا فراعنة، فهؤلاء القلّة المتفرعنون.. إنّما يعتمدون على الناس الضعاف أو الانتهازيين وعبدة الدنيا، الذين يلتفّون حولهم ويكونون لهم أجنحة وأذرعاً، أو على الأقل يكثّرون السواد ليوفروا لهم القدرة الشيطانية. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى هذا الأصل الإسلامي، فنحن نقرأ في الآية الثّانية من سورة المائدة قوله تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). كما أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته بالقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النّار).(5) وسواء كان "الرّكون" هنا بمعنى الميل القلبي، أو بمعنى الإعانة الظاهرية، أو إظهار الرضا والمحبّة، أو طلب الخير لهم.. هذه المعاني التي ذكرها المفسّرين "للركون" يجمعها مفهوم جامع لها، وهو الإتكاء والاعتماد والتعلق وما إلى ذلك، وهذا المفهوم شاهد حي على مقصودنا. ونقرأ في هذا الصدد حديثاً للإمام على بن الحسين(ع) مع "محمّد بن مسلم الزهري" الذي كان رجلا عالماً، إلاّ أنّه كان يتعاطف ويتعاون مع الجهاز الأموي ولا سيما مع هشام بن عبد الملك، يحذّره الإمام في حديثه هذا من إعانة الظالمين والركون إليهم، وهو حديث مثير جدّاً.. وقد جاء فيه: "أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، سلّماً إلى ظلالتهم، داعياً إلى عينهم سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذو منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك! فانظر لنفسك فإنّه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول" (6). والحقّ أنّ هذا المنطق البليغ المؤثر للإمام(ع) لكل عالم من وعّاظ السلاطين مرتبط بالظالمين راكن إليهم، يمكن أن يبصّره بمصيره المشؤوم عاقبته المخزية. ويذكر ابن عباس أن آية (ربّ بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين)من جملة الآيات التي تؤكّد على أن الركون للمجرمين ذنب عظيم، وإعانة المؤمنين إطاعة لأمر الله سبحانه. قالوا لبعض العلماء: إنّ فلاناً أصبح كاتباً للظالم الفلاني، ولا يكتب له إلاّ الدخل والخرج. وحياته وحياة عائلته مرهونة بما يحصل عليه من مال لقاء هذا العمل، وإلاّ فسيقع هو وأُسرته في فقر مدقع. فكان جواب هذا العالم: أمّا سمع قول العبد الصالح "موسى" (ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين)(7). ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ من القوة ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ أي فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك.