فتقدم وأخذ الدلو وألقاها في البئر.. يقال: إن هذه الدلو كان يجتمع عليها عدّة نفر ليخرجوها بعد امتلائها من الماء، إلاّ أن موسى(ع) استخرجها بقوته وشكيمته وهمّته بنفسه دون أن يعينه أحد (فسقى لهما) أغنامهما.
ويقال: إنّ موسى(ع) حين اقترب من البئر لام الرعاء، قال: أي أناس أنتم لا همّ لكم إلاّ أنفسكم! وهاتان البنتان جالستان؟! ففسحوا له المجال وقالوا له: هلمّ واملأ الدلو، وكانوا يعلمون أن هذه الدلو حين تمتليء لا يستخرجها إلاّ عشرة أنفار من البئر.
ولكن موسى(ع) بالرغم من تعب السير في الطريق والجوع ملأ الدلو وسحبها بنفسه وسقى أغنام المرأتان جميعها.. (ثمّ تولّى إلى الظل وقال ربّ إنّي لما أنزلت إلى من خير فقير).
أجل.. إنّه متعب وجائع، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة، فهو غريب، وفي الوقت ذاته كان مؤدباً وإذا دعا الله فلا يقول: ربّ إنّي أريد كذا وكذا، بل يقول: (ربّ إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير) أي إنّه يكشف عن حاجته فحسب، ويترك الباقي إلى لطف الله سبحانه.
لكن هلمّ إلى العمل الصالح، فكم له من أثر محمود! وكم له من بركات عجيبة! خطوة نحو الله ملءُ دلو من أجل إنصاف المظلومين، فتح لموسى فصلا جديداً، وهيأ له من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية.. ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالا.
﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ غنمهما وحذفت مفاعيل الخمسة لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ﴾ طعام ﴿فَقِيرٌ﴾ ورجع البنتان إلى أبيهما شعيب فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به.