لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التفسير كيف كان عاقبة الظالمين؟ نواجه هنا المقطع التاسع من هذا التاريخ المليء بالأحداث والعبر. هذا المقطع يعالج مسألة صنع فرعون البرج - أو بنائه الصرح المعروف - للبرهنة على وهمية دعوة موسى(ع). ونعرف أن من سنن الساسة القدماء في أعمالهم أنّه كلما وقعت حادثة مهمّةعلى خلاف رغباتهم وميولهم (ومن أجل التمويه وايهام الناس) يبادرون إلى خلق جوّ جديد ليلفتوا أنظار الناس إليه، وليصرفوهم عن تلك الحادثة المطلوبة. ويبدو أنّ بناء "الصرح العظيم" حدث بعد ما جرى لموسى من مواجهته السحرة ماجرى.. لأنّه يستفاد من سورة "المؤمن" أن هذا العمل "بناء البرج" تمّ حين كان الفراعنة يخططون لقتل موسى(ع)، وكان مؤمن آل فرعون يدافع عنه.. ونعرف أنّه قبل أن يواجه موسى(ع) السحرة لم يكن مثل هذا العمل ولا مثل هذا الحديث، وحيث أن القرآن ا لكريم تحدّث عن مواجهة موسى(ع) للسحرة في سورة "طه، والأعراف، ويونس، والشعراء" فإنّه لم يتطرق إليها هنا. وإنّما تحدث هنا وفي سورة المؤمن عن بناء البرج. وعلى كل حال فقد شاع خبر انتصار موسى(ع) على السحرة في مصر، وإيمان السحرة بموسى زاد في الأمر أهمية، كما أن موقع الحكومة الفرعونية أصبح في خطر جديّ شديد. واحتمال تيقظ الجماهير التي في أسر الذل كان كبيراً جدّاً.. فيجب صرف أفكار الناس بأية قيمة كانت، واشغالهم بسلسلة من المشاغل الذهنية مقرونة ببذل من الجهاز الحكومي، لإغفال الناس وتحميقهم! وفي هذا الصدد يتحدث القرآن الكريم عن جلوس فرعون للتشاور في معالجة الموقف، إذ نقرأ في أوّل آية من هذا المقطع: (وقال فرعون يا أيّها الملأ ما علمت لكم من إله غيري). فأنا إلهكم في الأرض.. أمّا إله السماء فلا دليل على وجوده، ولكنني سأتحقق في الأمر ولا أترك الإحتياط، فالتفت إلى وزيره هامان وقال: (فأوقد لي يا هامان على الطين) ثمّ أصدر الاوامر ببناء برج أو قصر مرتفع جدّاً لأصعد عليه واستخبر عن إله موسى. (فاجعل لي صرحاً لعلي اطلع إلى إله موسى وإنّي لأظنّه من الكاذبين). لم لَمْ يذكر فرعون اسم الآجر، واكتفى بالقول: (فأوقد لي يا هامان على الطين)؟ قال بعضهم: هذا دليل على أن الآجر لم يكن متداولا حتى ذلك الحين، وإنّما ابتكره الفراعنة من بعد.. في حين أن بعضهم يرى أن هذا التعبير أو هذا البيان فيه نوع من التكبر وموافق لسنّة الجبابرة. وقال بعضهم: إنّ كلمة "آجر" ليست فصيحة، لذلك لم يستعملها القرآن، وإنّما استعمل هذا التعبير المتقدم على لسان فرعون!. هنا ناقش جماعة من المفسّرين كالفخر الرازي والآلوسي مسألة "الصرح"، وهل بنى فرعون "الصرح" حقّاً أم لا؟! ويبدو أن الذي شغل فكر المفسّرين هو أن هذا العمل لم يكن متزّناً بأيّ وجه وأي حساب. ترى.. ألم يكن الناس قد صعدوا الجبال من قبل فرأوا منظر السماء كما هو على الأرض؟. وهل البرج الذي يبنيه البشر أكثر ارتفاعاً من الجبل؟. وأي أحمق يصدق أنّه يمكن الوصول إلى السماء بواسطة مثل هذا البرج؟! ولكن أُولئك الذين يفكرون مثل هذا التفكير غفلوا عن هذه المسألة، وهي أن مصر لم تكن أرضاً جبلية، وبعد هذا كلّه نسوا أنّ الطبقة العامّة لأهل مصر بسطاء ويخدعون بشتى الوسائل. حتى في عصرنا الذي يسمى عصر العلم وعصر النور، نجد مسائل تشبه ما وقع في العصور الماضية ينخدع بها الناس. وعلى كل حال، فطبقاً لما ورد في بعض التواريخ، فإنّ هامان أمر بأرض واسعة ليبنى عليها الصرح أو البرج، وهيّأ خمسين ألف رجل من العمال والمهندسين لهذا العمل المضني، وآلاف العمال لتهيئة الوسائل اللازمة لهذا البناء، وفتح أبواب الخزائن وصرف أموالا طائلة في هذا السبيل، واشغل عمالا كثيرينفي هذا البناء.. حتى أنّه ما من مكان إلاّ وتسمع فيه أصوات هذا البناء أو أصداؤه!. وكلما اعتلى البناء أكثر فأكثر كان الناس يأتون للتفرج، وما عسى أن يفعل فرعون بهذا البناء وهذا البرج. صعد البناء إلى مرحلة بحيث أصبح مشرفاً على جميع الأطراف. وكتب بعضهم: إنّ المعمارين بنوا هذا البرج بناءً بحيث جعلوا حوله سلالم حلزونية يمكن لراكب الفرس أن يرتقي إلى أعلى البرج. ولمّا بلغ البناء تمامه ولم يستطع البناؤون أن يعلوه أكثر من ذلك.. جاء فرعون بنفسه يوماً وصعده بتشريفات خاصة.. فنظر إلى السماء فوجدها صافية كما كان ينظرها من الأرض لم تتغير ولم يطرأ عليها جديد. المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل.. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس: اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى(1). ومن المسلم به أن جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعاً أعمى وأصم، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق!. ونقلوا هذا الخبر أيضاً، وهو أنّ البناء لم يدم طويلا "وطبعاً لا يدوم" أجل لقد تهدم البناء وقتل جماعة من الناس.. ونقلوا في هذا الصدد قصصاً أُخرى، وحيث أن لم تتّضح صحتها لنا فقد صرفنا عنها النظر. والذي يلفت النظر أن فرعون في كلامه هذا (ما علمت لكم من إله غيري)كان قد استعمل نهاية الخبث ومنتهى الشيطنة.. إذ كان يرى من المسلّم به أنّه إله!!.. وكان مدار بحثه: هل يوجد إله غيره؟!!.. ثمّ ينفي أن يكون هناك إله سواه إله; لعدم وجود الدليل!! وفي المرحلة الثّالثة والأخيرة، ومن أجل أن يقيم الدليل على عدم وجود إله غيره بنى ذلك الصرح!. كل هذه الأُمور تؤكّد جيداً أنّه كان يعرف تلك المسائل، إلاّ أنّه كان يضلل الناس ويصرف أفكارهم عن الحق، ليحفظ موقعه وحكومته!. ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ﴾ جهلا أو تلبيسا على قومه ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ نفي علمه به دون وجوده ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ فاطبخ الآجر ﴿فَاجْعَل لِّي صَرْحًا﴾ قصرا عاليا ﴿لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ توهما أو إيهاما لقومه أنه لو وجد لكان في السماء فيصعد إليه ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في ادعائه إلها غيري وأنه رسول.