ثمّ يضيف القرآن (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنّما يتبعون أهواءهم) لأنّ أي إنسان إذا لم يتّبع هواه فإنّه سيذعن لهذا الاقتراح، لكن أُولئك لم يكونوا على صراط مستقيم، ولذلك يرفضون كل مقترح بذريعة جديدة!.
ولكن من أضيعُ منهم (ومن أضلُّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين).
ولو كانوا طلاّب حقّ وقد أضلوا سبيلهم، فإنّ لطف الله سيشملهم بمقتضى الآية الكريمة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ولكنّهم ظالمون لأنفسهم ولمجتمعهم الذي يعيشون فيه، فلا هدف لهم سوى اللجاجة والعناد... فكيف يهديهم الله ويعينهم؟!
ملاحظة
اتباع الهوى مدعاة للظلال:
في الآيات المتقدمة بيّنت العلاقة بين الهوى والضلال بصراحة، وقد عبّر فيها عن المتبعين هواهم بأضلّ النّاس، وأنّهم لم يحظو بهداية الله.
هوى النفس حجاب كبير أمام نظر العقل.
هوى النفس يشدّ الإنسان بالشيء ويجعل قلبه متعلقاً به إلى درجة تفقده القدرة على فهم الحقائق ودركها.. لأنّ التسليم المطلق إزاء الواقعيات، وترك التعلق بالشيء والتسرّع بالحكم، شرط لدرك الحقائق.. التسليم دون قيد أو شرط إزاء الواقع الخارجي، مراً كان أم عذباً، موافقاً لرغبات النفس أم مخالفاً، منسجماً مع المصالح والمنافع الشخصية أم غير منسجم... لكن هوى النفس لا يتفق مع هذه الأصول!.
وفي هذا المجال كان لنا بحث مسهب في ذيل الآية (43) من سورة الفرقان.
ومن الطريف هنا أنّ روايات عديدةٌ تفسّر الآية بأنّ المراد منها من ترك إمامهوقائده الإلهي واتبع هواه(2).
وهذه الرّوايات المنقولة عن الإمام الباقر(ع) والإمام الصادق(ع) وبعض الائمّة الطاهرين(ع).. هي من قبيل المصداق البارز.. وبتعبير آخر: إنّ الإنسان محتاج لهداية اللّه... هذه الهداية تارةً تنعكس في كتاب اللّه، واُخرى في وجود النّبي وسنته، وأُخرى في وأوصيائه المعصومين، وأُخرى في منطق العقل.
المهم أن يكون الإنسان في خطّ الهداية الإهية غير متبع لهواه، ليستطيع أن يستضيء بهذه الأنوار.
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ﴾ لا الحجة ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ أي لا أضل ﴿مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى﴾ حال أي ممنوع الألطاف ﴿مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ لا يلطف بهم لظلمهم.