التّفسير
أنّهم عبدَة الهوى:
كان الحديث في الآيات المتقدمة عن الذين فضّلوا الكفر على الإيمان بسبب منافعهم الشخصيّة - ورجّحوا الشرك على التوحيد، وفي الآيات التي بين أيدينا يبيّن القرآن حال هذه الجماعة يوم القيامة قبال المؤمنين الصادقين.
ففي بداية هذه الآيات يلقي القرآن سؤالا يقارن فيه بين المؤمنين والكافرين، ويثير الوجدان ويجعله حكماً فيقول: (أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثمّ هو يوم القيامة من المحضرين).
ولا شك أن وجدان يقظ يرجّح وعود الله و مواهبه العظيمة الخالدة، على نعم الدنيا التي لا تطول إلاّ أيّاماً و تتبعها آلام وشقاء خالد؟!
جملة (فهو لاقيه) تأكيد على أن وعد الله لا يتخلف أبداً ولابدّ أن يكون كذلك، لأنّ تخلّف الوعد إمّا ناشىء عن الجهل أو العجز، وكلاهما مستحيل على ذات الله المقدسة.
وجملة (هو يوم القيامة من المحضرين) إشارة إلى الإحضار في محضر الله يوم القيامة للحساب، وفسرها البعض بالإحضار في نار جهنّم، ولكن التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو، وعلى كل حال فإنّ هذا التعبير يدل بصورة واضحة على أنّ المجرمين يساقون مكرهين، وعلى غير رغبة منهم إلى تلك العرصات المخوفة، وينبغي أن يكون الأمر كذلك... لأنّ وحشة الحساب والقضاء يوم القيامة ومشاهدها تغمر وجودهم هناك!.
والتعبير بـ(الحياة الدنيا) التي تكررت في سور مختلفة من القرآن الكريم، إشارة إلى حقارة هذه الحياة بالنسبة للحياة الأُخرى والخلود فيها وعدم الزوال والإضمحلال، لأنّ كلمة "دنيا" في الأصل مأخوذة من "دنو" على زنة "غلو" ومعناها القرب في المكان أو الزمان أو المنزلة والمقام، ثمّ توسّع هذا المفهوم ليطلق بلفظ "دنيا أو أدنى" على الموجودات الصغيرة التي تحت اليد في مقابل الموجودات الكبيرة، وقد يطلق هذا اللفظ على الموضوعات التي لا قيمة لها في مقابل الأشياء ذات القيمة العالية، وربّما استعمل في القرب في مقابل البعد.
وحيث أن هذه "الحياة" في مقابل العالم الآخر صغيرة ولا قيمة لها وقريبة أيضاً، فإنّ تسميتها بالحياة الدنيا تسمية مناسبة جدّاً.
﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا﴾ وهو الثواب الباقي ﴿فَهُوَ لَاقِيهِ﴾ مدركة لا محالة ﴿كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ المنغص بالآلام ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ للنار أي لا يستويان.