أمّا الآية الثّالثة فتحكي عن نتيجة النعمة المشار إليها في الآيتين السابقتين فيقول (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) أجل، إنّ سعة رحمة الله تستوجب أن تضمن جميع عوامل حياتكم، فأنتم - من جانب - بحاجة إلى السعي والحركة، وكل ذلك لابدّ لهما من الليل!
لقد ثبت - في هذا العصر - علميّاً أن جميع أجهزة البدن تكون فعالةً ونشطة مع وجود النور، إذ تنشط الحركة الدموية والجهاز التنفسي وحركة القلب وسائر الأجهزة، وإذا استمر النور أكثر من المعتاد تعبت خلايا الجسم وتحول النشاط إلى خمول!
وبالعكس فإنّ الخلايا تهدأ في الليل وتستريح استراحة عميقة تستعيد نشاطها وقواها "شرحنا هذا المعنى في الجزء السادس ذيل الآية 67 من سورة يونس و الآية (12) من سورة الاسراء"، الطريف هنا أن الآية حين تتحدث عن سرمديّة الليل تخاطب الناس قائلةً: (أفلا تسمعون)... وحين تتحدث عن سرمدية النهار تخاطبهم قائلة: (أفلا تبصرون) ولعل هذا التعبير لأجل أَن الحسّ المناسب لليل هو السمع والأذن، وما يناسب النهار هو البصر والعين.. إلى هذه الدرجة نلاحظ الدقّة في القرآن الكريم.
كما أنّ من الجدير الإلتفات إلى أنَّ الآية هنابعد ذكر مسألتي السمع والبصر أو الليل والنهار، تختتم الحديث بالقول: (لعلكم تشكرون) الشكر إزاء النظام المحسوب النور والظلمة، الشكر الذي يوصل الإنسان إلى معرفة المنعم والشكر الذي يكون باعثاً على الإيمان في المباحث الإعتقادية!.
﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ في الليل ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ في النهار بالكسب ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ولإرادة شكركم على نعمه.