لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يقدمون له أربع نصائح قيّمة أُخرى ذات تأثير مهم على مصير الإنسان، بحيث تتكامل لديه حلقة خماسية من النصائح مع ما تقدم من قولهم له: (لا تفرح) فالنصيحة الأُولى قولهم له: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) وهذا إشارة إلى أن المال والثروة ليس أمراً سيئاً كما يتصوره بعض المتوهّمين، المهم أن تعرف فيم يستعمل المال، وفي أي طريق ينفق، فإذا ابتغي به الدار الآخرة فما أحسنه! أو كان وسيلة للعب والهوى والظلم والتجاوز، فلا شيء أسوأ منه! وهذا هو المنطق الذي ورد على لسان أمير المؤمنين(ع) في كلام معروف "من أبصر بها بصَّرته ومن أبصر إليها أعمته" (3). وكان قارون رجلا ذا قدرة على الأعمال الإجتماعية الكبيرة بسبب أمواله الطائلة، ولكن ما الفائدة منها وقد أعماه غروره عن النظر إلى الحقائق. والنصيحة الثّانية قولهم له: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) والآية تشير إلى مسألة واقعيّة، وهي أنّ لكل فرد منّا نصيباً من الدنيا، فالأموال التي يصرفها على بدنه وثيابه ليظهر بمظهر لائق هي أموال محدودة، وما زاد عليها لا تزيد مظهره شيئاً، وعلى الإنسان أن لا ينسى هذه الحقيقة!... فالإنسان... كم يستطيع أن يأكل من الطعام؟ ولم يستطيع أن يلبس من الثياب؟ وكم يمكن أن يحوز من المساكن والمراكب؟! وإذا مات وكم يستطيع أن يأخذ معه من الأكفان؟! فالباقي - إذن - رضي أم أبى هو من نصيب الآخرين. وما أجمل قول الإمام علي(ع): "يابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك" (4). وهناك تفسير آخر لهذه الجملة في الرّوايات الإسلامية وكلمات المفسّرين، ويمكن التوفيق بين هذا التّفسير والتّفسير السابق (لأنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز). إذ ورد في تفسير (ولا تنس نصيبك من الدنيا) عن الإمام علي ابن أبي طالب(ع) أنّه قال: "لا تنس صحتك وقدرتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة" (5). وطبقاً لهذا التّفسير فالعبارة المتقدمة بمثابة التنبيه لجميع الناس، لئلا يضيعوا أوقاتهم وفرصهم فإنّها تمر مرّ السحاب. والنصيحة الثّالثة هي (وأحسن كما أحسن الله إليك). وهذه حقيقة أُخرى، وهي أَن الإنسان يرجو دائماً نعم الله واحسانه وخيره ولطفه، وينتظر منه كل شيء. فبمثل هذه الحال كيف يمكن له التغاضي عن طلب الآخرين الصريح أو لسان حالهم.. وكيف لا يلتفت إليهم!. وبتعبير آخر: كما أنّ الله تفضل عليك وأحسن، فأحسن أنت إلى الناس. وشبيه هذا الكلام نجده في الآية (22) من سورة النور في شأن العفو والصفح، إذ تقول الآية: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم). ويمكن تفسير هذه الجملة بتعبير آخر، وهو أنّ الله قد يهب الإنسان مواهب عظيمة لايحتاج إليها جميعاً في حياته الشخصيّة فقد وهبه العقل والقدرة التي لا تدير فرداً واحداً فحسب، بل تكفي لإدارة بلد أيضاً ووهبه علماً لا يستفيد منه إنسان واحد فقط، بل ينتفع به مجتمع كامل. أعطاه مالا وثروة لتنفيذ المناهج الإجتماعية. فهذه المواهب الإلهية مفهومها الضمني أنّها لا تتعلق بك وحدك - أيّها الإنسان - بل أنت وكيل مخوّل من قبل الله لنقلها إلى الآخرين، أعطاك الله هذه المواهب لتدير بها عباده!. والنصيحة الرابعة والأخيرة أن لا تغرنّك هذه الاموال والامكانات المادية فتجرّك إلى الفساد. (ولا تبغ الفساد في الآرض إنّ الله لا يحبّ المفسدين). وهذا أيضاً حقيقة واقعية أُخرى، إنّ كثيراً من الأثرياء وعلى أثر جنون زيادة المال - أحياناً - أو طلباً للاستعلاء، يفسدون في المجتمع، فيجرّون إلى الفقر والحرمان، ويحتكرون جميع الأشياء في أيديهم، ويتصورون أنّ الناس عبيدهم ومماليكهم، ومن يعترض عليهم فمصيره الموت، وإذا لم يستطيعوا إتهامه أو الإساءة إليه بشكل صريح، فإنّهم يجعلونه معزولا عن المجتمع بأساليبهم وطرائقهم الخاصة... والخلاصة: إنّهم يجرون المجتمع إلى الفساد والإنحراف. وفي كلام جامع موجز نصل إلى أن هؤلاء الناصحين سعوا أولا إلى أن يكبحوا غرور قارون!. ثمّ نبهوه أَن الدنيا إنّما هي وسيلة - لا هدف - في مرحلتهم الثّانية. وفي المرحلة الثّالثة أنذروه بأن ما عندك تستفيد من قسم قليل منه، والباقي لغيرك. وفي المرحلة الرابعة أفهموه هذه الحقيقة، وهي أن لا ينسى الله الذي أحسن إليه فعليه أن يحسن إلى الآخرين.. وإلاّ فإنّهُ يسلب مواهبه منك. وفي المرحله الخامسة حذروه من أن مغبة الفساد في الأرض الذي يقع نتيجة نسيان الأصول الأربعه آنفة الذكر. وليس من المعلوم بدقّة من هم الناصحون لقارون يومئذ ولكن القدر المسلم به أنّهم رجال علماء متقون، أذكياء، ذوو نجدة وشهامة، عارفون للمسائل الدقيقة الغامضة!. ولكن الاعتقاد بأنّ الناصح لقارون هو موسى(ع) نفسه بعيد جدّاً، لأنّ القرآن يعبّر عن من قدم النصح بصيغة الجماعة (إذ قال له قومه). والآن لنلاحظ ما كان جواب هذا الإنسان الباغي والظالم الإسرائيلي لجماعته الواعظين له!. ﴿وَابْتَغِ﴾ اطلب ﴿فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ﴾ من المال ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ بإنفاقه في سبيل الله الموصلة إليها ﴿وَلَا تَنسَ﴾ تترك ﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ وهو أن تنال بها آخرتك أو اللذات المباحة ﴿وَأَحْسِن﴾ إلى الناس أو بشكر الله ﴿كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ في إنعامه عليك ﴿وَلَا تَبْغِ﴾ تطلب ﴿الْفَسَادَ﴾ أي الظلم والبغي ﴿فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ بغاة الفساد.