أمّا الآية التالية فتتحدث عن نعمة أُخرى من نعم الله العظيمة على النّبي(ص)فتقول: (وما كنت ترجو أن يُلقى إليك الكتاب إلاّ رحمة من ربّك)(2).
كان كثير من الناس قد سمعوا بالبشارة بظهور الدين الجديد، ولعل طائفةً من أهل الكتاب وغيرهم كانوا ينتظرون أن ينزل عليهم الوحي ويحمّلهم الله هذه المسؤولية، ولكنّك - أيّها النّبي - لم تكن تظن أنّه سينزل عليك الوحي (وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب).. إلاّ أن الله رآك أجدر بالأمر، وأن هذا الدين الجديد ينبغي أن ينتشر ويتسع على يدك في هذا العالم الكبير!.
وبعض المفسّرين يرون هذه الآية منسجمة مع آيات سابقة كانت تتحدث عن موسى(ع)، وتخاطب النّبي - أيضاً - كقوله تعالى: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر.. وما كنت ثاوياً في أهل مدين... وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمةً من ربّك).
فعلى هذا يكون المقصود بالكتاب هنا هو قصص الأنبياء السابقين.. إلاّ أن هذا التفسير لا منافاة فيه مع التفسير المتقدم! بل يعدّ قسماً منه في الواقع!.
ثمّ يضيف القرآن في خطابه للنّبي(ص) أن طالما كنت في هذه النعمة (فلا تكونن ظهيراً للكافرين).
ومن المُسلّم به أنّ النّبي(ص) لم يكن ظهيراً للكافرين أبداً، إلاّ أن الآية جاءت في مقام التأكيد على النّبي(ص) وبيان المسؤولية للآخرين، وأن وظيفتهم أن يتأسوا بالنّبي ولا يكون أيّ منهم ظهيراً للكافرين.
وهذا الموضوع ينسجم تماماً مع الموضوع الذي قرأناه في شأن موسى(ع)، إذ قال: (ربّ بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين).. وبيّنا معناه في شأن إعانة الظالمين في الآية (17) من سورة القصص، أمّا الآيتان اللتان تختتم بهما سورة القصص، فهما تأكيد على مسألة التوحيد بتعابير واستدلالات متعددة ومختلفة.
التوحيد الذي هو أساس جميع المسائل الدينية... التوحيد الذي هو الأصل وهو الفرع وهو الكلّ وهو الجزء!.
وفي هاتين الآيتين أربعة أوامر من الله لنبيّه(ص)، وأربعة صفات لله تعالى، وبها يكتمل ما ورد في هذه السورة من أبحاث.
﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ﴾ القرآن ﴿إِلَّا﴾ لكي ألقي إليك ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أو متصل إذ المعنى وما ألقي إليك إلا رحمة منك ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا﴾ معينا ﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ على مرادهم وهو وما بعده تهييج.