أمّا الآية التي تليها، فهي - في الحقيقة - تعليل لما سبق بيانه في الآية الآنفة، إذ تقول: إن على المؤمنين الذين يرغبون في لقاء الله السعي بما اوتوا من قدرة وقابلية من أجل ذلك فإن نتيجة كل ذلك السعي والجهاد وتحمل الشدائد ترجع ثمارها للعامل نفسه: (ومن جاهد فإنّما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين).
إن خطة الإمتحان الالهي هي الجهاد، جهاد النفس وهواها، وجهاد الاعداء الألداء، لحفظ الإيمان والتقوى والطهارة، ونفع ذلك يعود للانسان... وإلاّ فإنّ الله وجود غير متناه من جميع الوجوه، وغير مفتقر لأي شيء حتى يتم بواسطة طاعة الناس أو عبادتهم جبرانه، ولا ينقصه شيء حتى يكمله الآخرون، فكل ما عندهم فمنه، وليس لهم شيء من أنفسهم!.
ويتّضح هنا من هذا البيان أن الجهاد لا يعني بالضرورة جهاد العدوّ المسلّح، بل يحمل معناه اللغوي الذي يشمل كل أنواع السعي والجد لحفظ الإيمان والتقوى، وتحمل أنواع الشدائد، والمواجهات "الموضعية" للأعداء الألدّاء والحاقدين.
والخلاصة أنّ جميع منافع هذا الجهاد ترجع للشخص المجاهد نفسه، وهو الذي يفوز بخير الدنيا والآخرة في جهاده، وحتى إذا كان المجتمع يستفيد من بركات هذا الجهاد، فهو في مرحلة أُخرى بعده.
فعلى هذا، متى ما وفّق أي إنسان إلى الجهاد فنال نصيب منه، فعليه أن يشكر الله على هذه النعمة!.
﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ لأن فائدته لها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وعن طاعتهم وإنما كلفهم لمنفعتهم.