والآية التي بعدها تؤكّد الحقيقة في أُولئك المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وتكرر هذا المضمون أيضاً (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين).
وأساساً فإنّ عمل الإنسان يترك في الإنسان أثره.. فالعمل الصالح يصبغ الإنسان بلونه ويدخله في زمرة "الصالحين".
كما أنّ العمل السيء يدخله في زمرة "الخاطئين والمسيئين".
ولكن ما الغاية من هذا التكرار؟!
قال بعضهم: في الآيات السابقة إشارة إلى أُولئك الذين يسلكون طريق الحق، أمّا هذه الآية فهي إشارة إلى أُولئك الذين هم الأدلاء والهداة إلى طريق التوحيد، لأنّ التعبير بـ "الصالحين" ورد في كثير من الأنبياء، إذ كانوا يطلبون من الله أن يدخلهم في الصالحين.
كما يحتمل أيضاً، أنّ الكلام في الآيات المتقدمة كان عن غفران الذنوب وتكفير السيئات وما يستحقه المؤمنون من الجزاء، إلاّ أنّه هنا إشارة عن مقامهم الرفيع الذي هو في نفسه ثواب آخر! فهم في صف الصالحين، صف الأنبياء والصديقين والشهداء، وهم جلساؤهم ورفقاؤهم في الجنان.
ملاحظة
الإحسان إلى الوالدين:
ليست هذه هي المرّة الأُولى التي يشير فيها القرآن إلى هذه المسألة الإنسانية المهمّة، فقد أشار إليها في سورة الإسراء الآية (23) من قبل، وسترد الإشارة إليها بعد في سورة لقمان الآيتين (14) و (15) وسورة الأحقاف الآية (15) أيضاً.
وفي الحقيقة إنّ الإسلام يدعو إلى احترام الوالدين في أسمى مراتبه، حتى مع كونهما مشركين، أو عند دعوتهما إلى الشرك الذي هو أبغض الأشياء في نظرالإسلام، فإنّ الإسلام يوجب احترامهما في الوقت الذي يمنع من إطاعتهما في قبول الشرك والاستجابة إلى ذلك!.
وهذا في الواقع واحد من الإمتحانات الإلهية العظيمة.. التي أشير إليها في بداية هذه السورة، لأنّهما قد يبلغان من العمر أحياناً يصعب معه تحمّلهما.. فهنا ينبغي على الأبناء أن يؤدوا امتحانهم في مجال ردّ الاحسان وإطاعة أمر الله.. وأن يحافظوا على والديهما بأحسن وجه!.
نقرأ في حديث عن النّبي(ص) أنّ رجلا جاء إليه فقال: "يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمّك: قلت: ثمّ من؟ قال: أمّك.
قلت: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمّك.
قلت: ثمّ من؟ قال: ثمّ أباك ثمّ الأقرب فالأقرب"(3).
وفي حديث آخر - وهو وارد في كثير من الكتب - أن النّبي(ص) قال: "الجنّة تحت أقدام الأمّهات" (4).
فلابدّ للوصول إلى الجنّة من الخضوع والتذلل في مقابلها كتراب الأقدام.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ في جملتهم أو في مدخلهم إلى الجنة.