وبعد ذلك، ومن أجل أن لا يتصور أن هؤلاء الدعاة للكفر والشرك وعبادة الأصنام والظلم، لا شيء عليهم من العقاب لهذا العمل، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا: (وليحملن أثقالهم أثقالا مع ثقالهم).
وثقل الذنب هذا... هو ثقل ذنب الإغراء والإغواء وحث الآخرين على الذنب، وهو ثقل السنّة التي عبّر عنها النّبي(ص) فقال: "من سنّ سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء!" (3).
المهم أنّهم شركاء في آثام الآخرين، وإن لم ينقص من وزر الآخرين وإثمهم مقدار من رأس الإبرة.
وتختتم الآية بالقول: (وليسئلنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون).
وينقدح هنا سؤال آخر وهو: ما المراد من هذا الإفتراء الذي يسألون عنه؟!
ولعل ذلك إشارة إلى الإفتراءات التي نسبوها إلى الله، وكانوا يقولون: "إن الله أمرنا أن نعبد الأصنام!".
أو أنّه إشارة إلى كلامهم الذي كانوا يقولون: "ولنحمل خطاياكم".
لأنّهم كانوا يدّعون أن مثل تلك الأعمال لا يترتب عليها إثم... وإن هذا الكلام كان افتراءً، وينبغي أن يجيبوا على ما يسألون بصدده!
أو أنّه يقال لهم على نحو الحقيقة والواقع يوم القيامة: هلموا لتحملوا أثقال الآخرين، فيمتنعون من ذلك ويظهر كذبهم وافتراءهم....
أو أنّ ظاهر كلامهم كان يعني أن كلّ إنسان يمكن أن يتحمل وزر الأخر ويكون مسؤولا عنه، في حين أن هذا الكلام كذب وافتراء محض أيضاً، وكل إنسان مسؤول عن عمله!.
مسألتان
1 - السنن الحسنة والسنن السيئة:
التخطيط لعمل ما - أو لمنهج ما - في المنطق الإسلامي له أثرهُ.. ويحمل صاحبه المسؤولية عنه - شاء أم أبى - ويكون مشاركاً للآخرين الذين يعملون بما خططه وسنّه، لأنّ أسباب العمل هي من مقدمات العمل، ونعرف أن كل شخص يكون دخيلا في مقدمة عمل إنسان آخر فهو شريكه أيضاً، فحتى لو كانت المقدمة بسيطة، إلاّ أن ذلك الشخص شريك مع ذي المقدمة.
والشاهد على هذا الكلام حديث منقول عن الرّسول الأكرم(ص) وهو أن سائلا جاء والنّبي(ص) في طائفة من صحابته فطلب العون فلم يجبه أحد، ثمّ قام اليه رجل وناوله شيئاً فقام: الآخرون ورغّبوا في إعانته فقال النّبي(ص): "من سنَّ خيراً فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئاً، ومن سنّ شرّاً فاستن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً"(4).
وقد ورد نظير هذا الحديث بعبارات مختلفة في مصادر الحديث عند الشيعة والسنة وهو حديث مشهور.
2 - جواب على سؤال:
أثار بعضهم هنا هذا السؤال، وهو أنّنا نلاحظ أحياناً في القوانين الإسلامية أن الدية تقع على شخص آخر... فمثلا في حالة قتل "الخطأ المحض" تقع الدية على العاقلة "والمراد بالعاقلة أقارب الرجل الذكور من طرف الأب... الذين تتوزع فيما بينهم دية قتل الخطأ المحض، ويدفع كلٌّ منهم قسماً حتى تتمّ الدية!".
أو ليست هنا منافاة بين هذه المسألة وبين الآيات المتقدمة؟
وفي الجواب على هذا السؤال نقول: إنّ "ضمان العاقلة" في الحقيقة نوع من التأمين الإلزامي المتقابل بين أعضاء العشيرة الواحدة.
فالإسلام - من أجل أن لا يتحمل الفرد الواحد العبء الثقيل للدية - ألزم أفراد العشيرة بأن يضمن بعضهم بعضاً في ديّة قتل الخطأ، وأن يقسموا المبلغ فيما بينهم فيدفع كل فرد منهم حصّة.
فقد يُخطىء اليوم أحدهم، وغداً قد يرتكب هذا الخطأ شخص آخر من العشيرة... "لمزيد الإيضاح نوكل المراجعة إلى الكتب الفقهية، بحث الديات".
وعلى كل حال، فإنّ هذا المنهج نوع من التعاون في سبيل حفظ المنافع المتقابلة، ولا يعني بأي وجه تحمل وزر الآخرين، خاصة وأنّ دية قتل الخطأ ليست أصلا جريمة ذنب، بل هي تعويض عن الخسارة! "فتأمل بدقّة".
﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ أوزارهم أنفسهم ﴿وَأَثْقَالًا﴾ آخر ﴿مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ وهي أوزار من أضلوه من غير أن ينقص من وزره شيء ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تقريعا ﴿عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الكذب.