ثمّ يذكر إبراهيم(ع) أدلة بطلان عبادة الأصنام والأوثان، ويبيّن في تعابير مختلفة يتضمّن كل منها دليلا على فساد مذهبهم وبطلانه فيقول أوّلا: (إنّما تعبدون من دون الله أوثاناً).
هذه الأوثان هي الأصنام الخالية من الروح.. الأصنام التي ليس لها إرادة، ولا عقل، وهي فاقدة لكل شيء، بحيث أن شكلها بنفسه هو دليل على بطلان عقيدة "عبادة الأوثان"
(لاحظوا أن "الأوثان" هي جمع لكلمة "وثن" على زنة "صنم" ومعناها "الحجارة المنحوتة" الموضوعة للعبادة!).
ثمّ يتوسع في حديثه ويمضي إلى مدى أبعد فيقول: ليست هذه الأوثان بهيئتها تدل على أنّها لا تستحق العبادة فحسب، بل أنتم تعلمون بأنّكم تكذبون وتضعون اسم الآلهة على هذه الأوثان: (وتخلقون إفكا).
فأي دليل لديكم على هذا الكذب سوى حَفنة من الأوهام والخرافات الباطلة.
وحيث أن كلمة "تخلقون" مشتقّة من الخلق، وتعني أحياناً الصنع والإبداع، وأحياناً تأتي بمعنى الكذب، فإنّ بعض المفسّرين ذكر تفسيراً آخر لهذه الجملة غير ما بيّناه آنفاً... وقالوا إنّ المقصود من هذا التعبير هو أنّكم تنحتون هذه الأوثان... المعبودات الباطلة المزوّرة بأيديكم، وتصنعونها (فيكون المراد من الإفك هنا هو المعبودات المزورّة) والخلق هو النحت هنا(5).
ثمّ يبيّن الدليل الثّالث وهو أن عبادتكم لهذه الأوثان إمّا لأجل المنافع المادية، أو لعاقبتكم في "الأُخرى" وكلا الهدفين باطل... وذلك: (إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً).
وأنتم تعتقدون بأنّ هذه الأصنام لم تكن خلقتكم، بل الخالق هو الله، فالذي يتكفل بالرزق هو الله (فابتغوا عند الله الرزق).
ولأنّه هو الذي يرزقكم فتوجهوا إليه (واعبدوه واشكروا له).
وبتعبير آخر، فإن واحداً من أسباب العبادة وبواعثها هو الإحساس بالشكر للمنعم الحقيقي، وتعرفون أن المنعم الحقيقي هو الله، فالشكر والعبادة يختصان - أيضاً - بذاته المقدسة.
وإذ كنتم تبتغون الدار الأُخرى فإنّه (إليه ترجعون).
فالأصنام لا تصنع شيئاً هنا ولا هناك!.
وبهذا الأدلّة الموجزة والواضحة ألجم منطقهم الواهي وأفحمهم.
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ جمادات ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ تكذبون كذبا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ لا يقدرون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ كله فإنه المالك له ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ وحده تأدية له ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ استزادة لفضله أو استعدوا للقائه بهما فإنكم ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.