الموهبة الأولى: الأبناء الصالحون، من أمثال إسحاق ويعقوب، ليسرجوا مصباح الإيمان والنّبوة في بيته وأسرته ويحافظوا عليه، إذ يقول القرآن: (ووهبنا له إسحق ويعقوب) وهما نبيّان كبيران واصل كلّ منهما السير على منهاج إبراهيم(ع)محطم الأصنام.
الموهبة الثّانية: (وجعلنا في ذريّته النّبوة والكتاب) ولم تكن النّبوة في إسحاق بن إبراهيم ويعقوب حفيده فحسب، بل استمر خط النّبوة في ذريّة إبراهيم(ع) واُسرته حتى نبوّة خاتم الأنبياء محمّد(ص) متعاقبون من ذرية إبراهيم، نوّروا العالم بضياء التوحيد.
الموهبة الثّالثة: (وآتيناه أجره في الدنيا) فما هو هذا الأجر الذي لم يوجهه القرآن؟ لعله إشارة إلى أُمور مختلفة مثل الاسم الحسن، ولسان الصدق والثناء بين جميع الأُمم، لأنّ الأُمم كلها تحترم ابراهيم(ع) على أنّه نبي عظيم الشأن، ويفتخرون بوجوده ويسمونه "شيخ الأنبياء".
عمارة أرض مكّة كانت بدعائه، وجذب قلوب الناس جميعاً نحوه، لتتذكر ذكريات التجلي والإيمان كل سنة في مناسك الحج، كل ذلك من هذا الأجر المشار اليه في القرآن.
الموهبة الرّابعة: هي (إنّه في الآخرة من الصالحين) وهكذا تشكّل هذه
المواهب مجموعة كاملة من المفاخر.
ملاحظتان
1 - أكبر الفخر!...
"الدخول في الصالحين" بالشكل الذي يستنتج من كثير من آيات القرآن هو أوج الفخر، وقد يحظى به انسان معين فيكون من نصيبه.
ولذلك فإنّ كثيراً من الأنبياء كانوا يسألون الله أن يدخلهم في زمرة عباده الصالحين.
فيوسف(ع) بعد وصوله إلى أبرز الإنتصارات الظاهرية يسأل الله فيقول: (توفني مسلماً والحقني بالصالحين).(7)
وكذلك نبيّ الله سليمان(ع) مع ما لديه من جاه وحشمة وجلالة، يطلب من الله (أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)(8)
وشعيب(ع)، ذلك النّبي العظيم، حين وقع العقد على استئجار موسى قال له: (ستجدني إن شاء الله من الصالحين).(9)
وإبراهيم(ع) أيضاً يطلب لنفسه من الله أن يكون في زمرة الصالحين (ربّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحين).(10)
كما يطلب من الله أن يرزقه أبناءً صالحين فيقول: (ربّ هب لي من الصالحين).(11)
كما نلاحظ في كثير من الآيات أن الله سبحانه حين يمدح أنبياءه العظام في كتابه، يصفهم بأنّهم "من عباده الصالحين".
ويستفاد من مجموع هذه الآيات - بصورة جيدة - أن أسمى مراحل تكامل الإنسان هو أن يكون عبداً صالحاً.
ما معنى الصلاح؟! وبعبارة أجلى: ما معنى أن يكون الإنسان صالحاً؟!
معناه: أن يكون جديراً بالاعتقاد والإيمان، جديراً بالعمل، جديراً بالقول، جديراً بالاخلاق!
أمّا ما يقابل الصالح فهو الفاسد، ونعرف أن "الفساد في الأرض" تعبير يشمل جميع أنواع الظلم والأعمال السيئة.
وفي القرآن الكريم يستعمل الصلاح - أحياناً - في مقابل الفساد، ويستعمل - أحياناً - في مقابل السيئة، وتعني "الذنب" وما لا يليق.
2 - مواهب إبراهيم العظيمة
قال بعض المفسّرين: إنّ في الآية الآنفة لطيفة دقيقة.. هي أنّ الله بدل جميع الأُمور والأحوال التي تؤدي بإبراهيم إلى الإستياء، إلى الضدّ.
فعبدة الأوثان في بابل أرادوا إحراقه بالنّار، فتبدلت روضة وسلاماً.
وأرادوه أن يبقى منفرداً معزولا عن الناس، فوهب الله له أُمّة عظيمة وجعل النّبوة في ذراريه.
وكان بعض أقاربه ضالا وعابداً للصنم كما هي الحال في "آزر" فأعطاه الله مكانه أبناءً مهتدين وهادين للآخرين.
ولم يكن لإبراهيم(ع) في بداية حياته مال ولا جاه، فوهب له الله مالا وجاهاً عظيماً.
وكان إبراهيم(ع) في بداية أمره مجهولا لا يعرفه الناس حتى أن عبدة الأوثان في بابل حين أرادوا تعريفه (قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم).
لكن الله سبحانه رفع مقامه وأعلى صيته، حتى أنّه إذا ذكر قيل في حقّه "شيخ الأنبياء" أو "شيخ المرسلين"(12).
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ﴾ ولدا ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ نافلة من هرمين ولذا خصا بالذكر ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ فكل نبي بعده منهما ﴿وَالْكِتَابَ﴾ أي جنسه فيعم الكتب الأربعة ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ وهو الذرية الطيبة وثناء كل الأمم عليه ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أولي الدرجات العلا.