لوط(ع) هذا النّبي العظيم، كشف أخيراً ما في نفسه وقال لقومه (أإنّكم لتأتون الرجال) أفتريدون أن تقطعوا النسل (وتقطعون السبيل)(2).
ولا ترعوون عن الأعمال المخزية في مجالسكم العامة (وتأتون في ناديكم المنكر).
"النادي" مشتق من "النداء" وهو يعني المجلس العام، كما يأتي أحياناً بمعنى مكان التنزّه، لأنّ الأفراد هناك ينادي بعضهم بعضاً وترتفع أصواتهم.
والقرآن لم يبيّن هنا بتفصيل أية منكرات كانوا يأتونها في مجالسهم ونواديهم.. لكنّها قطعاً كانت متناسبة مع عملهم السيء المخزي.. وكما ورد في بعض التواريخ، فإنّهم كانوا يتسابون بكلمات الفحش والإبتذال، أو يضرب أحدهم الأخر على ظهره.
أو يلعبون القمار، وأو يعبثون كاالاطفال وخاصة الترامي بالحجارة الصغيرة فيما بينهم أو على العابرين، ويستعملون أنواع الآلات الموسيقية، ويكشفون عوراتهم في مجتمعهم ويغدون عراة... الخ(3).
في حديث عن النّبي(ص) كما تنقله "أم هاني" أنّه قال مفسراً لمعنى: (وتأتون في ناديكم المنكر) أنّهم "كانوا يخذفون من يمرّ بهم ويسخرون منه" (4)أي يرمون من يمرّ بهم بالحجارة ويسخرون منه.
والآن فلنلاحظ ماذا كان جواب هؤلاء القوم الضالين المنحرفين، على كلمات النّبي لوط(ع) المنطقية.
يقول القرآن: (فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين).
أجل هكذا، كان جواب هؤلاء المفتونين فاقدي العقل والدراية إذ أجابوا به من منطلق السخرية والإستهزاء إزاء دعوة لوط(ع) المنطقية والمعقولة.
كما يستفاد جيداً من هذا الجواب أنّ لوطاً(ع) كان قد هدّدهم بعذاب الله، بالإضافة إلى كلامه البيّن ذي الدليل الواضح في ما لو استمروا بهذا العمل القبيح، إلاّ أنّهم تركوا جميع مواعظه وتمسكوا بتهديده بالعذاب، فقالوا: (ائتنا بعذاب الله) على سبيل الإستهزاء والسخرية!!... كما أشير إلى هذا الموضوع في سورة القمر الآية (36) بقوله تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر).
ويستشف - ضمناً - من تعبير هؤلاء القوم أنّهم كانوا يريدن أن يستنتجوا من عدم نزول العذاب على كذب لوط(ع)، في حين أن رحمة الله هي التي تمهلهم وتعطيهم الفرصة لمراجعة أنفسهم وإعادة النظر!
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ باعتراض المارة بالقتل وأخذ المال أو بالفاحشة أو تقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال دون النساء ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ﴾ هو المجلس ما دام أهله فيه ﴿الْمُنكَرَ﴾ كالضراط أو اللواط وكشف العورة وغير ذلك ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا﴾ استهزاء ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في استفحاش ذلك.