التفسير
وهذه هي عاقبة المنحرفين:
لقد أستجيب دعاءُ لوط أخيراً، وصدر الأمر من الله تعالى بالعقاب الصارم والشديد لهؤلاء القوم المنحرفين والمفسدين، فمرّ الملائكة المأمورون بعذاب قوم لوط بالأرض التي فيها إبراهيم(ع) لأداء رسالة أُخرى قبل أن ينزلوا العقاب بقوم لوط، وهذه الرسالة التي سبقت العذاب، هي بشارتهم لإبراهيم(ع) بالوَلد: "بشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب".
والآيات المتقدمة تذكر أوّلا قصّة مرورهم بإبراهيم(ع) فتقول: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين).
والتعبيربـ "هذه القرية" يدل على أن مُدن قوم لوط كانت قريبة من أرض إبراهيم(ع)
والتعبير بالظالمين هو لأجل كونهم يظلمون أنفسهم باتخاذهم سبيل الشرك والفساد الأخلاقي وعدم العفة، وظلمهم الآخرين حتى شمل العابرين والقوافل التي كانت تمرّ على طريقهم.
فلمّا سمع "إبراهيم" هذا النبأ حزن على لوط النّبي العظيم و(قال إنّ فيها لوطاً).
فما عسى أن تكون عاقبته؟!
إلاّ أنّهم أجابوه على الفور، (قالوا نحن أعلم بمن فيها) فلا تحزن عليه، لأننا لا نحرق "الأحضر واليابس" معاً، وخطتنا دقيقة ومحسوبة تماماً... ثمّ أضافوا (لننجينه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين).
ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّ أسرة واحدة فقط في جميع تلك المدن والقرى كانت مؤمنة وغير مدنّسة، وقد نجاها الله في ذلك الحين أيضاً... كما نقرأ مثل ذلك في الآية (36) من سورة الذاريات: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ومع ذلك فإنّ امرأة لوط كانت خارجة عن جماعة المؤمنين، فشملها العذاب.
والتعبير بـ "الغابرين" جمع "غابر" ومعناه المتخلف عن جماعته الماضين في الطريق، فالمرأة التي كانت في عائلة النبوّة لا ينبغي لها أن تنفصل عن المؤمنين والمسلمين... غير أنّ الكفر والشرك وعبادة الأوثان - كل ذلك - دعاها إلى الإنفصال!.
ويتّضح من هنا أن انحرافها كان من جهة العقيدة، ولا يبعد أن يكون هذا الإنحراف متأثراً بسبب محيطها... وكانت في بداية الأمر مؤمنة موحدة، وبهذا فلن يرد أي إشكال على لوط(ع) في أنّه لم تزوّج بمثل هذه المرأة؟!
وإذا كان جماعة من المؤمنين الآخرين قد آمنوا بلوط، فمن المؤكّد أنّهم كانوا قد هاجروا عن تلك الأرض المدنّسة قبل هذا الحادث، ما عدا لوطاً وأهله، فإنّه كان عليه أن يبقى إلى آخر ساعة هناك، لاحتمال تأثير تبليغه وإنذاره.
هنا ينقدح هذا السؤال: ترى هل كان "إبراهيم" يحتمل أن عذاب الله سيشمل لوطاً، فأظهر تأثره أمام الملائكة، غير أنّهم طمأنوه بنجاة لوط؟!
والجواب الواضح على هذا السؤال، وهو أن إبراهيم كان يعرف الحقيقة، وإنّما سأل ليطمئن قلبه، نظير هذا السؤال ما كان من هذا النّبي العظيم في شأن المعاد وإحياء الموتى، إذ جسد له الله ذلك في إحياء أربعة من الطير "ليطمئن قلبه".
﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ بالبشارة بإسحق ويعقوب بعده ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ وهي سدوم ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ بالكفر والمعاصي.