ثمّ يضيف القرآن مشيراً إلى علامة أُخرى من علائم حقانية دعوة النّبي(ص)الجلية والواضحة، وهي تأكيدٌ على محتوى الآية السابقة، فيقول: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) وقالوا إنّ ما جاءنا به هذا النّبي هو حصيلة مطالعاته لكتب الماضين.
ومعنى هذه الآية أنّك لم تذهب إلى مدرسة قط، ولم تكتب من قبل كتاباً قط، لكّنك باشارة من وحي السماء أصبحت تعرف المسائل أفضل من مئة مدرس!.
كيف يمكن أن يُصدق أن شخصاً لم يقرأ كتاباً ولم ير أستاذاً ولا مدرسةً، أن يأتي بكتاب يتحدى به جميع البشر أن يأتوا بمثله، فيعجز جميعهم عن الإتيان بما طلب.
أليس هذا دليلا على أن قوّتك تستمدّ من قوة الخالق غير المحدودة، وأن كتابك وحي السماء ألقاه الله إليك؟!
وينبغي الإشارة إلى أنّه لو سأل سائل: من أين نعرف أن النّبي(ص) لم يذهب إلى مدرسة قط؟!.
فنجيب أنّه(ص) قد عاش في بيئة المثقفون والمتعلمون فيها معدودون ومحدودون... حتى قيل أن ليس في مكّة أكثر من سبعة عشر رجلا يجيدون القراءة والكتابة، ففي مثل هذا المحيط وهذه البيئة، لو قدّر لأحد أن يمضي إلى المدرسة فيتعلم القراءة والكتابة، فمن المستحيل أن يكون مجهولا، بل يكون معروفاً في كل مكان.
كما يعرف الناس أستاذه ودرسه أيضاً.
فكيف يمكن لمثل هذا الشخص أن يدعي أنّه نبيّ صادق ومع ذلك يكذبهذه الكذبة المفضوحة والمكشوفة؟ خاصة أن هذه الآيات نزلت في مكّة، مهد نشأة النّبي(ص) وكذلك في قبال الأعداء الألدّاء الذين لا تخفى عليهم أقل نقطة ضعف!!.
﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا﴾ أي لو كنت تقرأ وتخط ﴿لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ الذين شأنهم الإبطال أي كفرة مكة وقالوا لعله جمعه من كتب الأولين أو أهل الكتاب وقالوا الذي في كتبنا أنه أمي.