وفي آخر آية - من الآيات محل البحث - جواب لأولئك الذين كان لسان حالهم أو لسان مقالهم يقول إذا خرجنا عن ديارنا وأهلينا، فمن سيطعمنا ويرزقنا؟ يخاطبهم القرآن أن لا تحزنوا على الرزق ولا تحملوا ثقل الذلة والأسر، فالرازق هو الله، لا لكم فحسب بل (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم).
قليل من الدواب والحيوانات والحشرات - وكذلك الإنسان - يأتي برزقه من الصحراء والشجر إلى وكره ومسكنه كالنحل - التي تنتج العسل - والنمل، وغالباً ما تكون الحيوانات بمثابة "طائر اليوم" أي كل يوم عليها أن تمضي لرزقها وتبحث عنه من جديد.
وهكذا فإنّ ملايين الملايين من الحيوانات التي من حولنا، في النقاط القريبة والبعيدة، وفي الصحاري وأعماق البحار وأعالي الجبال والأماكن الأخرى، فإنّها كلّها تقتات من مائدة الله السرمدية.
وأنت أيّها الإنسان أقوى من تلك الحيوانات وأذكى في جلب الرزق، فلم كلّ هذا الخوف من انقطاع الرزق؟!
ولم الركون إلى حياة الذل والإستكانة والفجور؟!
ولم تظل سادراً تحت وطأة الظلم والقهر والهوان والذل؟! اخرج أنت أيضاً من داخل هذه الدائرة المظلمة، واجلس على مائدة خالقك الواسعة ولا تفكر بالرزق!.
فأنت يوم كنت جنيناً محبوساً في بطن أُمّك، ولا تصل إليك أية يد حتى من أبيك وأُمك الرؤوم، لم ينسك الله الذي خلقك، وهيأ ما كنت تحتاج إليه لك بكل دقّة، فكيف وأنت اليوم كائن قوي ورشيد؟!
وحيث أن إيصال الرزق للمحتاجين هو فرع علمه تعالى بحاجاتهم، فالقرآن يؤكّد في نهاية الآية قائلا: (وهو السميع العليم).
يسمع كلامكم كلّه، ويعرف لسان حالكم، ولسان حال جميع الدواب، وهو خبير بحاجات الجميع، ولا يخفى على علمه الذي لا حد له شيءٌ أبداً.
﴿وَكَأَيِّن﴾ وكم ﴿مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ لضعفها عن حمله أو لا تدخره ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا﴾ مع ضعفها ﴿وَإِيَّاكُمْ﴾ مع قوتكم على الكسب والحمل لا يرزق الكل إلا هو لأنه المسبب لأسبأب رزقهم، قيل لما أمروا بالهجرة فقال بعضهم كيف نقدم بلدة لا معيشة لنا فيها فنزلت ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لقولكم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بسركم.