وبعد ذكر هذا الدليل الواضح ينتهي القرآن إلى هذه النتيجة في الآية التالية (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لما جاءه).
لقد قدمنا دلائل واضحة لكم على أنّه لا شيء أحق بالعبادة وأحرى بها من الله، لكنّكم كذبتم على الله، وصنعتم له شركاء بأيديكم، وتدعون أن هذا هو منهج إلهي.
ومن جهة أُخرى، فإنّ القرآن الذي أنزلناه عليكم فيه دلائل الحق لائحة واضحة، إلاّ أنّكم لم تكترثوا به، وألقيتموه وراءكم ظهرياً! فهل يتصور ظلم أشدّ من هذا؟! لقد ظلمتم أنفسكم وظلمتم الناس جميعاً، لأنّ الشرك ظلم عظيم.
وبتعبير آخر: هل الظلم بمعناه الوسيع إلاّ الإنحراف وإخراج الشيء عن محلّه الجدير به، وهل يرى أسوأ من أن يعدّ الإنسان حفنة من الأحجار المصنوعة التي لا قيمة لها أو الخشب المصنوع شركاء للخالق سبحانه الذيخلق السماوات والأرض.
إضافة إلى ذلك فإنّ الشرك مصدر جميع المفاسد الإجتماعية، وفي الواقع إن المظالم الأُخرى تسترفد منه، عبادة الهوى، عبادة المقام، عبادة الدنيا، كل منها نوع من الشرك.
ولكن اعلموا أنّ عاقبة الشؤم والخزي للمشركين (أليس في جهنم مثوى للكافرين).
من الجدير ذكره أنّ في القرآن الكريم 15 مورداً عبّر فيها القرآن عن بعض الأفراد بأنّهم الأظلم، وجميع هذه الموارد بدأت بجملة استفهامية (ومن أظلم)طبعاً الإستفهام هنا استنكاري.
والتدقيق في هذه الآيات يدل على أنّ الآيات المذكورة وإن عالجت مسائل متنوعة، إلاّ أنّها جميعاً تعود إلى الشرك، فعلى هذا لا تضاد بينها أبداً.
"لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآية (21) من سورة الأنعام".
وآخر آية - من الآيات محل البحث - وهي في الوقت ذاته آخر آية سورة العنكوبت، تبيّن واقعاً مهماً، وهي عصارة جميع هذه السورة، وتنسجم مع بدايتها.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أظلم ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بادعاء شريك له ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ﴾ الرسول أو الكتاب ﴿لَمَّا جَاءهُ﴾ من غير تثبت ولا ترو ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾.