لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول يتفق المفسّرون الكبار على أن الآيات الأُولى من هذه السورة نزلت في أعقاب الحرب التي دارت بين الروم والفُرس، وانتصر الفرس على الروم، وكان النّبي حينئذ في مكّة، والمؤمنون يمثلون الأقلية. فاعتبر المشركون هذا الإنتصار للفرس فألا حسناً، وعدّوه دليلا على حقانية المشركين و"الشرك"، وقالوا: إن الفرس مجوسٌ مشركون، وأمّا الروم فهم مسيحيون "نصارى" ومن أهل الكتاب.. فكما أن الفرس غلبوا "الروم" فإنالغلبة النهائية للشرك أيضاً، وستنطوي صفحة الإسلام بسرعة ويكون النصر حليفنا. وبالرغم من أن مثل هذا الإستنتاج عار من أي أساس، إلاّ أنّه لم يكن خالياً من التأثير في ذلك الجوّ والمحيط للتبليغ بين الناس الجهلة، لذلك كان هذا الأمر عسيراً على المسلمين. فنزلت الآيات الآنفة وقالتْ بشكل قاطع: لئن غلب الفرس الروم ليأتينّ النصر والغلبة للروم خلال فترة قصيرة. وقد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس في (بضع سنين). وهذا الكلام السابق لأوانه، هو من جهة دليل على إعجاز القرآن، هذا الكتاب السماوي الذي يستند علمه إلى الخالق غير المحدود، ومن جهة أُخرى كان فألا حسناً للمسلمين في مقابل فأل المشركين، حتى أن بعض المسلمين عقدوا مع المشركين رهاناً على هذه المسألة المهمّة، ولم يكن في ذلك الحين قد نزل الحكم بتحريم مثل هذا الشرط(1). التّفسير تنبؤ عجيب! هذه السورة ضمن مجموع تسع وعشرين سورة تبدأ بالحروف المقطعة (ألم). وقد بحثنا مراراً في تفسير هذه الحروف المقطعة "وخاصةً في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف". والفارق الوحيد الذي نلاحظه هنا عن بقية السور، ويلفت النظر، هو أنّه خلافاً لكثير من السور التي تبدأ بالحروف المقطعة، التي يأتي الحديث بعدها على عظمة القرآن الكريم، بل بحثاً عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل، ولكن مع التدقيق يتّضح أن هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضاً... لأنّ هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن، وعظمة هذا الكتاب السماوي!. يقول القرآن بعد الحروف المقطعة (غلبت الروم في أدنى الأرض) وهم قريب منكم يا أهل مكّة، إذ أنّهم في شمال جزيرة العرب، في أراضي الشام في منطقة بين "بصرى" و"أذرعات". ومن هنا يعلم بأنّ المراد من الروم هنا هم الروم الشرقيون، لا الروم الغربيون. ويرى بعض المفسّرين كالشيخ الطوسي في تفسير "التبيان" - أن من المحتمل أن يكون المراد بأدنى الأرض المكان القريب من بلاد فارس، أي إن المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم. (2) وصحيحٌ أن التّفسير الأوّل معه الألف واللام للعهد - في "الأرض" مناسبٌ أكثر، ولكن ومن جهات متعددة - كما سنذكرها - يبدوا أن التّفسير الثّاني أصحّ من الأول! ويوجد هنا تفسير ثالث، ولعلّه لا يختلف من حيث النتيجة مع التّفسير الثاني، هو أنّ المراد من هذه الأرض - هي أرض الروم، أي إنّهم غلبوا في أقرب حدودهم مع بلاد فارس، وهذا يشير إلى أهمية هذا الإندحار وعمقه، لأنّ الإندحار في المناطق البعيدة والحدود المترامية البعد ليس له أهمية بالغة، بل المهم أن تندحر دولة في أقرب نقاطها من حدودها مع العدو، إذ هي فيها أقوى وأشدّ من غيرها. (الم غلبت الروم) وهم النصارى غلبتهم فارس المجوس .