وتشير الآية التّالية إِلى الأعذار التي كان يتشبث بها أفراد ذوي نفوس مريضة لتبرير علاقاتهم اللاشرعية مع الغرباء، واعتمادهم عليهم وتحالفهم معهم، مبررين ذلك بخوفهم من الوقوع في مشاكل إِن أصبحت القدرة يوماً في يد حلفائهم الغرباء، فتقول الآية: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (1).
ويذكر القرآن الكريم هؤلاء الضعفاء ذوي النفوس المريضة رداً على تعللهم في التخلي عن حلفهم مع الغرباء، فيبيّن لهم أنّهم حين يحتملون أن يمسك اليهود والنصارى يوماً بزمام القدرة والسلطة يجب أن يحتملوا - أيضاً - أن ينصر الله المسلمين فتقع القدرة بأيديهم، حيث يندم هؤلاء على ما أضمروه في أنفسهم، كما تقول الآية: (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين).
ويشتمل هذا الجواب القرآني - في الحقيقة على جانبين:
أوّلهما: أنّ أفكاراً كهذه إِنما تخرج من قلوب مريضة لأفراد تزلزل ايمانهم وأصبحوا يسيئون الظن بالله، ولو لم يكونوا كذلك لما سمحوا لهذه الأفكار بأن تداخل نفوسهم.
أمّا الجانب الثّاني في هذا الجواب فهو مواجهتهم بنفس الحجة التي أوردوها لتعللهم ذلك، إِذ أنّ احتمالهم لوقوع السلطة بيد اليهود والنصارى يقابله - بالضرورة - احتمال آخر وهو انتصار المسلمين واستلامهم لمقاليد الأُمور، وبهذا لا يكون هناك أي مجال لتشبث هؤلاء بحلفهم مع أُولئك أو الإِعتماد عليهم.
وعلى أساس هذا التّفسير فإنّ كلمة (عسى) التي لها مفهوم الإِحتمال والأمل، تبقى في هذه الآية محتفظة بمعناها الأصلي لكن بعض المفسّرين قالوا بأنّها تعني هنا الوعد الجازم من قبل الله للمسلمين، وهذا ما لا يتلائم وظاهر كلمة (عسى) البتة.
أمّا المراد من جملة (أو أمر من عنده) التي جاءت بعد كلمة (الفتح) في هذه الآية فيحتمل أنّها تعني أنّ المسلمين - في المستقبل - إمّا أن يتغلبوا وينتصروا على أعدائهم عن طريق الحرب أو بدونها كأن تتوسع قدرتهم إِلى درجة يضطر بعدها الأعداء إِلى الخضوع والإِستسلام للمسلمين دون الحاجة إِلى الدخول في حرب.
وبتعبير آخر: كلمة (الفتح) تشير إِلى الإِنتصار العسكري للمسلمين، وأنّ جملة (أمر من عنده) إِشارة إِلى الإِنتصارات الإِجتماعية والإِقتصادية وما شابه ذلك.
إِنّ بيان هذا الإِحتمال من قبل الله سبحانه وتعالى، مع كونه - عزّ وجلّ - عالماً بجميع ما سيحصل في المستقبل، يدل على أنّ الآية تشير إِلى الإِنتصارات العسكرية والإِجتماعية والإِقتصادية التي سيحرمها المسلمون في المستقبل.
﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق كابن أبي ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ أي في موالاتهم ﴿يَقُولُونَ﴾ معتذرين عنها ﴿أَوْلِيَاء نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر فتكون الدولة للكفار ﴿فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ﴾ بالنصر لرسوله على أعدائه ﴿أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ بقتلى اليهود وإجلائهم من ديارهم ﴿فَيُصْبِحُواْ﴾ أي المنافقين ﴿عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ من الشك في أمر النبي وموالاتهم اليهود ﴿نَادِمِينَ﴾.