لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
هذه الصورة يرسمها القرآن على النحو التالي: ﴿أوْ كَصَيِّب مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْت، والله مُحِيطٌ بِالْكَافِرينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أضآءَ لهم مَشوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا﴾. هؤلاء يحسّون كلّ لحظة بخطر، لأنهم يطوون صحراء لا جبال فيها ولا أشجار تحميهم من خطر الرعد والبرق والصواعق، ونحن نعلم أن خطر الصاعقة يتجه إلى كل ارتفاع على الأرض. لكن الأرض التي يسير عليها هؤلاء خالية من أي ارتفاع سوى مرتفع أجسامهم، ومن هنا فخطر الصاعقة يهددهم كل آن بتحويلهم إلى رماد! (أهمية هذا المثال تتضح لدى أهل الحجاز - حيث الصحارى المنبسطة - أكثر من وضوحها لدى أهالي المناطق الجبلية). ينعم، هؤلاء حيارى مضطربون، لا يجدون طريقاً يسلكونه، ولا دلي يهتدون به، خطر صوت الرعد يهدّد أسماعهم، ونور البرق يكاد يذهب بأبصارهم ﴿وَلَوْشَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ﴾. المنافقون مثل هؤلاء المسافرين، يعيشون بين المؤمنين المتزايدين المتدفقين كالسيل الهادر وكالمطر الغزير، لكنهم لم يتخذوا لهم ملجأ آمناً يقيهم من شر صاعقة العقاب الإلهي. نهوض المسلمين بواجبهم الجهادي المسلح بوجه أعداء الإسلام يشكل صواعق وحمماً تنزل على رؤوس المنافقين. وتسنح أحياناً لهؤلاء المنافقين يفرصة للهداية واليقظة، لكن هذه الفرصة لا تلبث طوي، إذ تمرّ كما يمرّ نور البرق، ويعود الظلام يطبق عليهم، ويعودون إلى ضلالهم وحيرتهم. إنتشار الإسلام بسرعة كالبرق الخاطف قد أذهلهم. وآيات القرآن التي تفضح أسرارهم صعقتهم، وفي كل لحظة يحتملون أن تنزل آية تكشف عن مكائدهم ونواياهم. وهذا ما تعبّر عنه الآية الكريمة: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِئُهُم بِمَا في قُلُوبِهِمْ، قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ﴾. والمنافقون خائفون أيضاً أن يأذن الله بمحاربتهم، وأن يحثّ القوة الإسلامية المتصاعدة على مجابهتهم، لأنهم كانوا يواجهون مثل هذه التهديدات القرآنية، كقوله تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فَي يالْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ إلاَّ قَلِي. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِلِّوا تَقْتِيلا﴾. مثل هذه الآيات كانت تنزل كالرعد والبرق على المنافقين، وتتركهم في خوف وذعر وحيرة في المدينة، وتضعهم أمام خطر الإبادة أو الإخراج من المدينة كلّ حين. هذه الآيات - وإن كانت تتحدث عن المنافقين في عصر نزول الوحي - تمتد لتشمل كلّ المنافقين في التاريخ، لإن خطّ النفاق يقف دوماً بوجه الخط الثوري الصادق الصحيح. ونحن نرى بأعيننا اليوم مدى انطباق ما يقوله القرآن على منافقي عصرنا بدقّة. نرى حيرتهم وخوفه واضطرابهم، ونرى تعاستهم وبؤسهم وانفضاحهم تماماً مثل تلك المجموعة المسافرة الهائمة في صحراء مقفرة وفي ليلة ظلماء موحشة. أما بشأن الفرق بين المثالين فثمة تفسيران: الأوّل: إنّ قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي... ﴾ يصور حالة المنافقين الذين انخرطوا في صفوف المؤمنين عن اعتقاد حقيقي، ثم تزعزعوا واتّجهوا نحو النفاق. أما قوله: ﴿كَصَيّب مِنَ السَّمَاءِ...﴾ فيمثل حالة المنافقين الذين كانوا منذ البداية في صف النفاق، ولم يؤمنوا بالله قط. الثّاني: أن المثال الأول يتحدث عن حالة الأفراد، ولذلك يقول: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ﴾ والثاني يجسّد وضع الأجواء المخيفة المرعبة الخطرة التي تحدق بهؤلاء المنافقين، ومن هنا جاء التشبيه بالجوّ المظلم الممطر المليء بالخوف والذعر والإضطراب. ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما أن بالمطر حياة الأرض ﴿مِّنَ السَّمَاء﴾ من العلاء ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ مثل الشبهات والمصيبات المتعلقة به ﴿وَرَعْدٌ﴾ مثل للتخويف والوعيد ﴿وَبَرْقٌ﴾ مثل الآيات الباهرة ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ لئلا يخلع الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة فيموتوا والمنافقون كانوا يخافون أن يعثر النبي على كفرهم ونفاقهم فيستأصلهم فإذا سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون أنهم المعنيون بذلك ﴿واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ مقتدر عليهم لا يفوتونه.