وحيث أنّ التعبير بـ (أجل مسمى) كاشف عن أن هذه الحياة على كل حال لا تدوم، وهذا إنذار لجميع عبدة الدنيا، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا: (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشدّ منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ممّا عمروها وجاءتهم رسلهم بالبيّنات) أي بالدلائل الواضحات... إلاّ أنّهم أهملوا ذلك، ولووا رؤوسهم، ولم يستسلموا للحق، فابتلوا بعقاب الله الأليم! (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
في الواقع إنّ القرآن يشير إلى أمم كانت لهم - في نظر مشركي مكّة - عظمة ملحوظة من حيث القدرة والقوّة الجسمية والثروة المالية، وكان مصيرهم الأليم يمثل درساً من العبرة لهؤلاء المشركين.
ويمكن أن تكون جملة (أثاروا الأرض) إشارة إلى حرث الأرض للزراعة والتشجير، أو حفر الأنهار، أو تأسيس العمارات على الأرض، أو جميع هذه الأمور، لأنّ جملة (أثاروا الأرض) لها مفهوم واسع يشمل جميع هذه الأُمور التي هي مقدمة للعمارة والبناء(2).
وحيث كانت أكبر قدرة - في ذلك العصر - تعني التقدم في الزراعة والرقي الملحوظ من حيث البناء والعمارات، فإنّه يتّضح رفعة الأُمم السالفة وعلوهم على مشركي مكّة الذين كانت قدرتهم في هذه المجالات محدودة جدّاً.
إلاّ أنّ أُولئك مع كل قدراتهم حين أنكروا آيات الله وكذبوا الأنبياء، لم يستطيعوا الفرار من مخالب العقاب، فكيف تستطيعون الفرار من عذاب الله؟!
وهذا العقاب والجزاء الأليم هو نتيجة أعمالهم المهلكة أنفسهم، إذ ظلموا أنفسهم، ولا يظلم ربّك أحداً.
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة) كعاد وثمود (وأثاروا الأرض) قلبوها للزرع واستحداث الأنهار والآبار وغيرها (وعمروها أكثر مما عمروها) من عمارة أهل مكة وهو تهكم بهم إذ لا إثارة لهم ولا عمارة أصلا مع تباهيهم في الدنيا التي عمدة ما يتباهى به أهلها الإثارة والعمارة (وجاءتهم رسلهم بالبينات) بالحجج الواضحات (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بتدميرهم