أمّا آخر آية من الآيات محل البحث، فتبيّن آخر مرحلة من كفرهم فتقول: (ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون).
أجل، إنّ الذنب أو الإثم يقع على روح الإنسان كالمرض الخبيث، فيأكل إيمانه ويعدمه، ويبلغ الأمر حدّاً يكذب الإنسان فيه آيات الله، وأبعد من ذلك أيضاً إذ يحمل الذنب صاحبه على الإستهزاء بالأنبياء، والسخرية بآيات الله، ويبلغ مرحلة لا ينفع معها وعظ ونصيحة أبداً، ولا تؤثر فيه أية حكمة وأيّة آية، ولا يبقى طريق سوى أسواط عذاب الله المؤلمة له.
إنّ نظرة واحدة في صفحات تاريخ كثير من الجناة والبغاة تكشف أنّهم لم يكونوا هكذا في بداية الأمر، إذ كان لديهم على الأقل نور إيمان ضعيف يشع في قلوبهم، ولكن ارتكابهم للذنوب المتتابعة سبّب يوماً بعد آخر أن ينفصلوا عن الإيمان والتقوى، وأن يبلغوا آخر الأمر إلى المرحلة النهائية من الكفر.
ونلاحظ في خطبة العقيلة زينب(ع) أمام يزيد بن معاوية في الشام، النتيجة ذاتها التي أشرنا إليها آنفاً... لأنّها حين رأت يزيد يسخر بكل شيء ويتكلم بكلمات الكفر وأنشد أشعاراً من ضمنها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسللعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزلوهذه الكلمات تكشف عن عدم إيمانه بأساس الإسلام، فحمدت زينب الله تعالى وصلّت وسلّمت على النّبي(ص) وقالت:
"صدق الله، كذلك يقول: (ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون)".
أي إذا أنكرت الإسلام والإيمان هذا اليوم بأشعارك المشوبة بالكفر، وتقول لأسلافك المشركين الذين قتلوا على أيدي المسلمين في معركة بدر: ليتكم تشهدون انتقامي من بني هاشم، فلا مجال للتعجب، فذلك ما قاله الله سبحانه: (ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون).. وقد ذكرت في هذا الصدد مطالب كثيرة.
ولمزيد من الإيضاح يراجع الجزء الخامس والأربعون من بحار الأنوار الصفحة 157.(3)
(ثم كان عاقبة الذين أساءوا) العقوبة (السوأى) تأنيث أسوأ أو مصدر وصف به (أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون).
(الله يبدأ الخلق) ينشئهم (ثم يعيده) بالبعث (ثم إليه ترجعون) التفات إلى الخطاب وقرىء بالياء