التفسير
المالكية لله وحده:
كانت الآيات المتقدمة تتحدث حول توحيد الخالق، وتوحيد الرّب، أمّا الآية الأُولى من هذه الآيات محل البحث فتتحدث عن فرع آخر من فروع التوحيد، وهو توحيد الملك فتقول: (وله من في السماوات والأرض).
ولأنّهم ملك يده فـ (كلٌّ له قانتون) وخاضعون.
وواضح أنّ المراد من المالكية وخضوع المخلوقات وقنوتها، الملكوالقنوت التكوينيان... أي إن زمام أمر الجميع من جهة القوانين التكوينية كلّه في يده، وهم مستسلمون لقانون عالم التكوين وفق مشيئة الله، شاؤوا أم أبوا.
حتى العُتاة الطغاة الألدّاء والمتمردون على القانون والجبابرة، هم مضطرون أيضاً أن يحنوا رؤوسهم لأمر الله في القوانين التكوينية.
والدليل على هذه "المالكية" هو الخالقية والربوبية، فإنّ من خلق الموجودات في البداية وتكفلها بالتدبير، فمن المسلم أنّه هو المالك الأصلي لها لا سواه!
وبما أنّ جميع موجودات الدنيا سواسية في هذا الأمر، فمن الواضح أن لا يكون معه أي شريك في الملك حتى الأوثان والمعبودات المصطنعة التي يتصورها المشركون أنّها أربابهم، هي أيضاً مملوكة لمالك "الملك" والملوك، وهي طوع أمره.
وينبغي الإلتفات - ضمناً - إلى أنّ كلمة "قانت" تعني - كما يقول الراغب في مفرداته - في الأصل: الطاعة الملازمة للخضوع!
ونقرأ حديثاً عن النّبي(ص) أنّه قال "كل قنوت في القرآن فهو طاعة".
غاية ما في الأمر، تارة تأتي هذه الطاعة "تكوينية" وأُخرى "تشريعية".
وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ كلمة "قانتون" معناها هنا "قائمون بالشهادة على وحدانيته" (1) فهو في الحقيقة بيان لأحد مصاديق الطاعة، لأنّ الشهادة على وحدانية الله نوع من الطاعات.
(وله من في السموات والأرض) ملكا وخلقا (كل له قانتون) منقادون لفعله بهم .