وبعد بيان قسم آخر من دلائل التوحيد والمعاد في الآيات المتقدمة، يتناول القرآن موضوع "نفي الشرك" في مثال بيّن فيقول: (ضرب لكم مثلا من أنفسكم).
هذا المثال هو لو كان لديكم - أيّها المشركون - عبيد ومماليك فـ (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي أن عبيدكم هؤلاء يشاركونكم في أموالكم وفي ما رزقناكم.
بحيث تكونون أنتم وعبيدكم سواء في مالكية هذه الأموال والنعم وتخافون أن يتصرفوا في هذه الأموال بشكل مستقل كما هو الحالة في تصرف شركاءكم الأحرار فيها أو في الميراث مثلا... فأنتم غير مستعدين لأنّ يتصرفوا في أموالكم.
فلو كان لكم عبيد وملك يمين "وهو ملك مجازي" لما رضيتم بمثل هذا الفعل منهم، فكيف تتصورون المخلوقات التي هي ملك حقيقي لله شركاءه! أو تزعمون أن بعض الأنبياء كالمسيح أو ملائكة الله أو بعض المخلوقات الأُخرى كالجن أو الأصنام الحجرية والخشبيّة شركاءه، ألا ساء ما تحكمون!!
المملوكات المجازية التي يمكن أن تتحرر وتنعتق بسرعة، وتكون في صفوفكم ومن أمثالكم "كما جرى ذلك في الإسلام" - لا تكون حالة كونها مملوكة - في صف مالكها، وليس لها حق التدخل في منطقة نفوذه، فكيف تجعلون العبيد الحقيقيين أو المملوكات الحقيقية شركاء الله، في حين أنّهم متعلقون بالله ذاتاً ووجوداً، ولا يمكن أن يُسلب هذا التعلق بالله والإرتباط به منهم، وكل ما عندكم فمن عنده، وما أنتم بشيء من دونه!.
قال بعض المفسّرين: إنّ هذه الآية ناظرة لما قاله المشركون من قريش، عند التلبية في مناسك الحج، إذ كانوا يقولون عند التلبية.. "لبيك، اللّهم لا شريك لك، إلاّ شريكاً هو لك، تملكة وما ملك"... هكذا كان محتوى تلبية المشركين(3).
وبديهي أن شأن نزول هذه الآيات شأن سائر الآيات في نزولها، إذ لا يحدد معنى الآية، كما هي في الوقت ذاته جواب لجميع المشركين، هي مستقاة من حياتهم أنفسهم التي تدور حول الرق والمملوكين، وتحتج عليهم احتجاجاً متيناً.
والتعبير بـ (ما رزقناكم) يشير إلى هذه اللطيفة، وهي أنّكم لستم المالكين الحقيقيين لهؤلاء العبيد والمماليك، ولا المالكين الواقعيين للمال، لأنّ كل ذلك لله وحده، ولكنّكم غير مستعدين لأن تخوّلوا ممّاليككم المجازيين بالتصرف في أموالكم المجازية وتعدّوهم شركاءكم، في حين أنّه لا يستلزم محالا ولا مشكلة من الناحية التكوينية لأنّ الكلام يدور مدار الإعتباريّات.
غير أن التفاوت بين الله ومخلوقاته تفاوت تكويني ولا يتغيّر، وجعل هذه المخلوقات شريكة لله من سابع المستحيلات.
ومن جهة أُخرى فإنّ عبادة أحد الموجودات، إمّا لعظمته، أو لأنّه ينفع ويضر الإنسان، إلاّ أن هذه المعبودات لا تنفع ولا تضر(4).
ويعقب القرآن في ختام الآية للتأكيد والدقة على مضمون السؤال، فيقول: (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون).
أجل، نذكر لكم الحقائق من الأمثلة الواضحة في حياتكم لتفكروا فيها، ولكيلا تنسبوا لله - على الأقل - ما لا ترضون أن تنسبوه لأنفسكم!.
(ضرب لكم مثلا) منتزعا (من أنفسكم) التي هي أقرب شيء منكم (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم) من الأموال (فأنتم) وهم (فيه سواء) لا فضل بينكم وبينهم مع كونهم بشرا مثلكم (تخافونهم) أن تنفردوا بتصرف فيه (كخيفتكم أنفسكم) أمثالكم من الأحرار أي لا ترضون بذلك فكيف تشركون بالله مماليكه في الإلهية (كذلك) التفصيل (نفصل الآيات) نبينها (لقوم يعقلون) يتدبرون بعقولهم .