غير أنّ هذه الآيات البينات وهذه الأمثلة الواضحة هي لأولي الألباب، لا للظالمين عبدة الهوى الجهلة الذين قلوبهم أسدال الجهل، واستوعبت آفاقهم الخرافات والعصبيات، لذلك يضيف القرآن في الآية التالية قائلا: (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم).
ولذلك فإنّ الله خلّى بينهم وبين أنفسهم بسبب أعمالهم السيئة، فتاهوا في وادي الضلالة (فمن يهدي من أضل الله)؟!
والتعبير بـ "ظلموا" مكان "أشركوا" إشارة إلى أن الشرك بعد أعظم الظلم: فهو ظلم للخالق، إذ جعله مخلوقه إلى جانبه وأشركه معه (ونعرف أن الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه).
وظلم للخلق، إذ منعوهم عن طريق الخير والسعادة "طريق التوحيد".
وظلم لأنفسهم، لأنّهم أطلقوا جميع وجودهم وكيانهم للريح، وظلوا في مفازة عمياء! وبيداء قفراء.
وهذا التعبير - ضمناً - مقدمة للجملة التالية، وهو إنّما أضلهم الله عن طريق الحق فبظلمهم، كما جاء مثل هذا التعبير في سورة إبراهيم الآية (27) (ويضل الله الظالمين).
ولا شك أن من يتركهم الله ويخلّي بينهم وبين أنفسهم (فما لهم من ناصرين).
وبهذا يوضح القرآن عاقبة هذه الجماعة المشؤومة، ولم لا تكون كذلك؟! وهم يرتكبون "أعظم الذنوب وأعظم الظلم"، إذ عطلوا عقولهم وأفكارهم عن العمل، وتركوا شمس العلم خلف ظهورهم، وتوجهوا إلى ظلمة الجهل والهوى.
فمن الطبيعي أن يسلب الله منهم التوفيق، ويتركهم في ظلماتهم، وما لهم من ناصرين ولا معينين!.
(بل اتبع الذين ظلموا) أشركوا (أهواءهم بغير علم) جاهلون يهيمون كالبهائم (فمن يهدي من أضل الله) أي لا هادي لمن خذله ولم يلطف به (و ما لهم من ناصرين) مانعين مما استوجبوا من الخذلان .