لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتشير الآية التالية - بمناسبة البحث المتقدم عن الإِنفاق الخالص - إلى نوعين من الإِنفاق: أحدهما لله، والآخر يراد منه الوصول إلى مال الدنيا، فتقول: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلايربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأُولئك هم المضعفون). مفهوم الجملة "الثّانية" وهي إعطاء الزكاة والإِنفاق لوجه الله والثواب واضح، إلاّ أن الجملة الأُولى (وما آتيتم من ربا) مختلَف في تفسيرها مع الإِلتفات إلى أنّ "الربا" معناه في الأصل "الزيادة". فالتّفسير الأوّل، وهو أوضح من جميع التفاسير، ومنسجم مع مفهوم الآية أكثر، ومتناسق مع الروايات الواردة عن أهل البيت(ع)، أن المراد من الربا هو الهدايا التي يقدمها بعض الأفراد للآخرين، ولا سيما إلى أصحاب الثروة والمال، كي ينالوا منهم أجراً أحسن وأكثر! وبديهي أنّه في مثل هذه الهدايا لايؤخذ بنظر الاعتبار استحقاق الطرف الآخر ولا الجدارة والأولوية، بل كل ما يهدف اليه أن تصل الهدية إلى مكان، تعود على مُهديها بمبلغ أوفر ومن الطبيعي أن مثل هذه الهدايا ليس فيها "جنبة" إخلاص، فلا قيمة لها من الجهة الأخلاقية، والمعنوية!. فعلى هذا يكون معنى "الربا" في هذهِ الآية هو "الهدية والعطية" والمراد من جملة (ليربو في أموال الناس) هو أخذ الأجر الوافر من الناس! ولا شك أن أخذ مثل هذه الأجرة ليس حراماً، إذ ليس فيه شرط أو قرار، إلاّ أنّه فاقد للقيمة الأخلاقية والمعنوية... ولذلك فقد ورد التعبير عن هذا الربا - في روايات متعددة عن الإِمام الصادق(ع) في مصادر معروفة، بـ "الربا الحلال" في قِبالِ "الربا الحرام" الذي يستلزم الشرط والعقد أو الإتفاق. ونقرأ في حديث عن الإِمام الصادق(ع) في كتاب تهذيب الأحكام، في تفسير الآية هو قوله(ع): "هو هديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منهما، فذلك ربا يؤكل"! كما نقرأ حديثاً آخر عنه(ع) "الربا رباءان، أحدهما حلال والآخر حرام، فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً يريدأن يزيده ويعوضه بأكثر ممّا يأخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر ممّا أخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله: (فلا يربو عندالله) وأمّا الحرام فالرجليقرض قرضاً ويشترط أن يردّ أكثر ممّا أخذه فهذا هوالحرام".(7)وهناك تفسير آخر لهذه الآية، وهو أن المراد من الربا في هذه الآية هو الربا الحرام، وطبقاً لهذا التّفسير فإن القرآن يريد أن يقيس الربا بالإِنفاق الخالص لوجه الله، ويبين أن الربا وإن كان ظاهره زيادة المال، إلاّ أنّه ليس زيادةً عند الله، فالزيادة الحقيقية والواقعية هي الإِنفاق في سبيل الله. وعلى هذا الأساس فقد عدّوا الآية مقدمة لمسألة "تحريم الربا" التي ذكرها القرآن في بداية الأمر وقبل الهجرة على سبيل الإِرشاد الأخلاقي والنصح، ولكن تمّ تحريم الربا بعد الهجرة في ثلاث سور "البقرة وآل عمران والنساء" بصورة تدريجية "وكانت لنا إشارة أيضاً في الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل على هذا الأساس". وبالطبع ليس بين المعنيين أيُّ تضاد، ويمكن أن تؤخذ الآية بمعناها الواسع الذي يجمع "الربا الحلال" و "الربا الحرام" ويقاس كلاهما بالإِنفاق في سبيل الله، إلاّ أن تعبيرات الآية أكثر انسجاماً مع التّفسير الأول، لأنّ الظاهر من الآية هنا أن عملا قد صدر ليس فيه ثواب، وهو مباح، لأنّ الآية تقول: إن هذا العمل لا يربو عند الله، وهذا يتناسب مع الربا الحلال الذي ليس فيه وزر ولا ثواب، وليس شيئاً يستوجب مَقْتَ الله وغضبَهُ... وقد قلنا: إن الروايات الإِسلامية ناظرة إلى هذا المعنى. وينبغي الإِشارة إلى هذه اللطيفة اللغوية، وهي أنّ كلمة "مضعفون" التي هي صيغة لاسم الفاعل، لا تعني أنّهم يزيدون ويُضعفون بأنفسهم للمال، بل معناها أنّهم أصحاب الثواب المضاعف، لأنّ اسم الفاعل قد يأتي في لغة العرب ويراد منه اسم المفعول، مثل "الموسِر" أي: صاحب المال الكثير. وينبغي أيضاً أن يُعرف بالنظرة البعيدة أن المراد من الضعف والمضاعف ليس معناه "مثل الشيء مرّتين" بل يشمل المثل مرتين ويشمل أمثال الشيء، والحدّ الأقل في الآية هنا عشرة أمثال، لأنّ القرآن يقول: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها). (8)وتبلغ الزيادة أحياناً كما في القرض إلى ثمانية عشر كما نقرأ في هذا حديثاً للإمام الصادق(ع) يقول فيه: "على باب الجنّة مكتوب: القرض بثمانية عشر والصدقة بعشر". (9)وقد تبلغ الزيادة إلى سبعمائة "ضعف" كما هو في شأن الإِنفاق في سبيل الله، إذ تقول الآية: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء) (10) (وما ءاتيتم من ربا) زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يطلب بها أكثر منها وقرىء بالقصر أي ما جئتم به من ربا (ليربوا) ليزيد (في أموال الناس) أكلة الربا (فلا يربوا) فلا يزكوا (عند الله) بل يمحقه ولا يثيب المكافىء (وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله) لا غيره (فأولئك هم المضعفون) من الثواب .