لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ومن الطريف أنّ القرآن اكتفى في شأن الكفار بالتعبير بـ (ومن كفر فعليه كفره) ولكن بالنسبة للمؤمنين تضيف الآية التالية: أن المؤمنين لا يرون أعمالهم فحسب، بل يوليهم الله من مواهبه وفضله فيقول: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله). ومن المسلّم به أن هذا الفضل لا يشمل الكفار إذ (إنّه لا يحب الكافرين)... ولا شك أنّ الله يعاملهم وفق عدالته، ويجزيهم ما يستحقون، لا أكثر، لكن لاينالهم منه فضل وموهبة أيضاً. بحوث 1 - العلاقة بين الذنب والفساد ممّا لا شك فيه أن كل ذنب يترك أثره في المجتمع، كما يترك أثره في الأفراد عن طريق المجتمع أيضاً... ويسبب نوعاً من الفساد في التنظيم الإجتماعي، فالذنب والعمل القبيح، وتجاوز القانون، مثلها كمثل الغذاءالسيء والمسموم، إذ يترك أثره غير المطلوب والسيء في البدن شئنا أم أبينا، ويقع الإنسان فريسة للآثار الوضعية لذلك الغذاء المسموم. "الكذب" يسلب الإعتماد. و"خيانة الأمانة" تحطّم الروابط الإجتماعية. و"الظلم" يسبب إيذاء الآخرين وظلمهم. والإفراط في الحرية يجرّ إلى الديكتاتورية، والديكتاتورية تجر إلى الإنفجار. و"ترك حقوق المحرومين" يورث العداوة والحقد والبغضاء، و"تراكم الأحقاد والعداوات" يزلزل أساس المجتمع!. والخلاصة، أن كلّ عمل غير صحيح له أثره السيّء سواء كان ذلك في دائرة محدودة أم واسعة، وأحد تفاسير الآية (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس) هو هذا وهذا يبيّن العلاقة الطبيعية بين الذنب والفساد - "هنا". إلاّ أنّه يستفاد من الروايات الإسلامية أنّ كثيراً من الذنوب - إضافة لما ذكرنا - تجلب معها سلسلة من الآثار السيئة، وعلاقتها وارتباطها مع تلك الآثار - من الناحية الطبيعية على الأقل - غير معروفة. فمثلا ورد في الرّوايات الإسلامية أن قطع الرحم يقصر العمر، وأن أكل المال الحرام يورث ظلمة القلب، وأن كثرة الزنا يورث فناء الناس ويقلل الرزق(3). حتى أنّنا لنقرأ حديثاً عن الإمام الصادق(ع) يقول فيه: "من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال" (4) وقد ورد في القرآن نظير هذا المعنى في تعبير آخر، حيث يقول القرآن: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)(5). إذن فالفساد - في الآية محل البحث - هو الفساد الأعمّ "الذي يشمل المفاسد الإجتماعية، والبلايا، وسلب النعم والبركات". وممّا يستلفت الإنتباه أن الآية المتقدمة يستفاد منها ضمناً أن واحداً من حكم الآفات والبلايا تأثيرها التربوي على الناس، إذ عليهم أن يروا رد الفعل الناتج من أعمالهم.. ليفيقوا من نومهم وغفلتهم، ويعودوا إلى الطهارة والتقوى! ولا نقول: إنّ جميع الشرور والآفات هي من هذا القبيل، ولكننا نقول: إن قسماً منها - على الأقل - فيه هذه الحكمة والغاية وبالطبع فإنّ له حكمة أُخرى بحثناها في محلها. 2 - فلسفة السير في الأرض لقد وردت مسألة "السير في الأرض" ست مرات في القرآن المجيد، (في سورة آل عمران والأنعام والنحل والنمل والعنكبوت والروم) حيث وردت مرّة بقصد التفكر في أسرار الخلق (سورة العنكبوت الآية 20) وخمس مرات بقصد العبرة من العواقب الوخيمة التي نالها الظالمون والجبابرة والطغاة الآثمون! والقرآن يهتمّ بالمسائل العينية والحسية - التي يمكن لمس آثارها في الأُمور التربوية - اهتماماً خاصاً، ولا سيما أنّه يأمر المسلمين أن ينطلقوا من محيطهم المحدود إلى المدى الأرحب، ويسيروا ويسيحوا في هذا العالم، وليفكروا في أعمال الآخرين وسجاياهم وعواقب أُمورهم، وأن يستوحوا من هذه "الحياة" العابرة "ويدخروا ذخيرة قيمة" من العبرة والإطلاع! إنّ القوى الشيطانية في العصر الحاضر - من أجل سعة استثمارها في العالم كافة - مشطت وفحصت جميع الدول والبلدان والأمم وطريقة حياتهم وثقافتهم ونقاط القوّة والضعف فيهم بصورة جيدة. إنّ القرآن يقول: بدلا من هؤلاء المستكبرين سيروا أنتم في أرجاء الأرض وبدلا من خططهم ومؤامراتهم الشيطانية تعلموا دروساً رحمانية. العبرة والإعتبار من حياة الآخرين أهم من التجارب الشخصية وأكثر قيمة، لأنّ الإنسان ينبغي أن يتحمل خلال تجاربه أضراراً ليتعلم مسائل جديدة إلاّ أن الإنسان عند استلهام العبرة من الآخرين يربح معارف جمة وثمينة دون أن يتحمل ضرراً. وأمر القرآن بالسير في الأرض ينطبق على أكمل الأساليب والطرق التي حصل عليها البشر في العصر الحاضر، وذلك بأن يأخذوا بأيدي التلاميذ - بعد استيعاب المسائل في الكتب - ويسيروا في الأرض، ويطالعوا الشواهد العينية التي قرأوها في الكتب! وبالطبع فهناك اليوم نوع آخر من السير في الأرض بعنوان "السياحة" في العالم، وذلك من قبل "الحضارة الشيطانية" لجلب الأموال والثروة "الحرام" التي راجت سوقها، وغالباً ما تكون فيها أهداف منحرفة وتضليلية، كنقل الثقافة السقيمة وإشاعة الهوى والسفاهة والحماقة واللهو هذه هي "السياحة المخربة"! ولكن الإسلام يؤيد السياحة التي تكون وسيلة لنقل الثقافات الصحيحة والتجارب المتراكمة، واستكناه أسرار الخلق في عالم البشر وعالم الطبيعة، واستلهام دروس العبرة من عواقب المفسدين والظالمين الوخيمة. ولا بأس بالإشارة إلى أنّ هناك سياحة منعها الإسلام ونقرأ حديثاً يقول: "لا سياحة في الإسلام" (6). والمراد من هذا الحديث هو في جميع سنوات حياتهم - أو بعضها - منفصلين عن الحياة الإجتماعية تماماً، ودون أن يكون لهم نشاط ملحوظ، فهم يسيحون في الأرض ويعيشون كالرهبان! فيكونون عالة على الآخرين. وبتعبير آخر: إنّ عمل هؤلاء بمثابة "الرهبانية السيارة" مقابل الرهبان الثابتين المنزوين في الدير والمنعزلين عن المجتمع، وحيث أن الإسلام يخالف هذا الإتجاه والإنزواء الإجتماعي، فهو يعد هذه "السياحة" غير مشروعة أيضاً. 3 - الدين القيّم كان الخطاب في الآيات المتقدمة للنّبي(ص) أن يجعل تمام توجهه نحو الدين المستقيم والثابت، الذي ليس فيه إعوجاج ولا إنحراف ولا تزلزل في قواعده أبداً. ومن الطريف أن تعبيرات أُخرى في آيات القرآن المتعددة جاءت بصدد هذا الدين، ففي الآية (105) من سورة يونس جاء التعبير عنه بالحنيف (فأقم وجهك للدين حنيفاً). وفي الآية (رقم 3) من سورة الزمر وصف بالخالص (ألا لله الدين الخالص). وفي الآية (52) من سورة النحل، وصف بأنّه واصب، أي لا يتغير (وله الدين واصباً). وفي الآية (78) من سورة الحج وصف بأنه خال من الحرج والشدة (وما جعل عليكم في الدين من حرج)! ونظائر هذه الآيات كثيرة في القرآن! وكل واحد من هذه الأُمور يمثل بعداً من أبعاد الدين الإسلامي، وهو في الوقت ذاته من باب اللازم والملزوم. أجل ينبغي أن ينتخب مثل هذا الدين، وأن يسعى في معرفته، وأن يحفظ حتى آخر رمق! 4 - لا عودة في يوم القيامة! قرأنا في الآيات المتقدمة عن يوم القيامة قوله تعالى: (يوم لا مرد له من الله) ولا طريق للعودة إلى الدنيا! ويلاحظ في آيات القرآن الأخر ما يشبه هذا التعبير، ومن ذلك الآية (44) من سورة الشورى - حين يرى الظالمون العذاب يقولون: (فهل إلى مردّ من سبل). كماوصف يوم القيامة في الآية (47) من سورة الشورى - أيضاً - بقوله تعالى: (يوم لا مرد له من الله). والحقيقة أن عالم الوجود له مراحل لا عودة فيها إلى مرحلة سابقة، وهذه سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول! ترى، هل يرجع الطفل - سواء ولد كاملا أو ناقصاً - جنيناً مرّة أُخرى إلى رحم أمه؟! وهل ترجع الثمرة المقطوفة من الشجرة - ناضجة كانت أم لا - إلى أغصانها؟! فانتقال الإنسان من هذا العالم إلى العالم الآخر على هذه الشاكلة، أي لا طريق للعودة أبداً... وهذه حقيقة تخيف الإنسان وتهزّه وتنذره ليكون يقظاً!. (ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله) زيادة على ثوابهم الواجب لهم أو من عطائه وهو ثوابهم (إنه لا يحب الكافرين) أي يجازيهم بالعقوبة على كفرهم .