أمّا الآية الأُخرى فتعود ثانية لذكر نعمة هبوب الرياح فتقول: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاءُ ويجعله كسفاً) (1) أي القطع الصغيره المتراكمة ثمّ تخرج قطرات المطر منها على شكل حبات صغيرة (فترى الودق يخرج من خلاله). (2)
أجل، إن واحداً من الآثار المهمة عند نزول الغيث، يقع على عاتق الرياح، إذ تحمل قطعات السحاب من البحر إلى الأرض العطشى واليابسة، والرياح هي المأمورة ببسط السحاب والغيوم في السماء جعلها متراكمة بعضها فوق بعض، وبعد أن تلطف الجو وتصيره رطباً تهيء الغيث للنزول.
إن مثل الرياح كمثل راعي الغنم المحنّك، الذي يجمع قطيع الغنم عند الإقتضاء من أطراف الصحراء، ويسير بها في مسير معيّن ليقوم بالتالي على حلب لبنها!.
وجملة (فترى الودق يخرج من خلاله) لعلها إشارة إلى أن غلظة الغيوم وشدة هبوب الرياح، ليستا في تلك الدرجة التي تمنع خروج قطرات الغيث الصغيرة من الغيم ونزولها على الأرض، بل إن هذه الذرات الصغيرة - على الرغم من الغيوم المغطاة بها صفحة السماء - تجد طريقها من خلال الغيوم إلى الأرض، وتتناثر ناعمةً على الأراضي العطشى حتى ترويها بصورة جيدة وفي الوقت ذاته لا تدمر الثمر.
إن الرياح الشديدة والاعاصير التي تقلع الشجرة من أصلها أحياناً - على عظمتها وتحرك الصخور، تأذن للقطرة الناعمة أن تمرّ من خلالها وتستقر على الأرض!
وينبغي الإلتفات إلى أن كون السحاب قطعات متراكمة "كِسَفاً" - وإن لم يكن لنا جلياً بهذه الصورة - في اليوم الغائم، حيث تغطي هذه القطع صفحة السماء، فلا نحس بأنّها على شكل قطع، بل نراه سحاباً مبسوطاً.. لكن حين تقلّنا الطائرة وتحلق بنا فوق السحاب أو من خلاله، نلمس هذه الظاهرة بوضوح!
ويضيف القرآن في نهاية الآية قائلا: (وإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون).
(الله الذي يرسل الرياح) وقرىء الريح (فتثير سحابا) تهيجه (فيبسطه في السماء) في جهتها (كيف يشاء) من قلة وكثرة وغيرهما (ويجعله كسفا) قطعا متفرقة (فترى الودق) المطر (يخرج من خلاله) من مخارجه (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) يفرحون .