وعلى كل حال، فحين يواجه المجرمون واقعهم المرير المؤلم يظهرون ندمهم ويتوبون ويعتذرون ممّا صنعوا، لكن القرآن يقول في هذا الصدد: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون) (5)
وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة، وهي أن في بعض آيات القرآن تصريحاً بعدم الإذن للمجرمين أن يعتذروا (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (6)
غير أنّ الآية محل البحث تقول: لا ينفعهم الإعتذار هناك، وظاهرها أنّهم يعتذرون، إلاّ أنّه لا أثر لاعتذارهم.
وبالطبع فإنّه لا تضاد بين هذه الآيات، لأنّ يوم القيامة فيه مراحل مختلفة، وفي بعض المراحل لا يؤذن للمجرمين بالإعتذار أبداً ويختم على أفواههم... وإنّما تتحدث الجوارح بما أساءت فحسب... وفي بعض المراحل تنطلق ألسنتهم بالإعتذار، إلاّ أنّه... لا ينفعهم الإعتذار أبداً.؟!
وواحد من أعذارهم أنّهم يلقون تبعات ذنوبهم على أشياخهم في الكفر والنفاق، فيقولون لهم: (لولا أنتم لكنا مؤمنين) (7)، إلاّ أن أُولئك يردون عليهم بالقول: (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم) (8)
وأحياناً يلقون اللوم على الشيطان في تضليلهم وانحرافهم وأنّه وسوس لهم، إلاّ أن الشيطان يجيبهم (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) (9)، أي لم أكرهكم على الكفر، إلاّ أنّكم استجبتم لي برغبتكم.
وفي الآية التالية إشارة لجميع المواضيع الوارد بيانها في هذه السورة... إذ تقول: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) لقد ذكرنا فيه الوعد والوعيد، الأمر والنهي، البشارة والإنذار، الآيات الآفاقية والأنفسية، دلائل المبدأ والمعاد والأخبار الغيبية والخلاصة ذكرنا فيه كل شىء يمكن أن يؤثر في نفوس الناس.
وفي الحقيقة، إنّ في القرآن - بشكل عام - وسورة الروم - بشكل خاص - حيث نحن الآن في مراحلها النهائية، مجموعة من المسائل والدروس الموقظة لكل فئة، ولكل طبقة، ولكل جماعة، ولكل فكر وأسلوب... مجموعة من العبر، والمسائل الأخلاقية، والخطط والمناهج العملية، والأُمور الإعتقادية، بحيث استفيد من جميع الطرق والأساليب المختلفة للنفوذ في أفكارالناس ودعوتهم إلى طريق السعادة!
ومع هذه الحال، فهناك طائفة لا يؤثر في قلوبهم المظلمة السوداء أي من هذه الأُمور، لذلك يقول القرآن في شأنهم: (ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلاّ مبطلون).
والتعبير بـ "مبطلون" تعبير جامع يحمل كل معاني الدجل والإفتراء والنسب الكاذبة والفاسدة من قبل المشركين، كنسبة الكذب للنبي(ص) والسحر والجنون والأساطير الخرافية، إذ أن كل واحد من هذه الأُمور يمثل وجهاً من وجوه الباطل، وقد جمعت كل هذه الأُمور تحت كلمة "مبطلون".
أجل، إنّهم كانوا يتهمون الأنبياء دائماً بواحد من هذه الأُمور الباطلة، ليشغلوا عنهم الناس الطيبين الطاهرين ولو لعدّة أيّام - بما ينسبونه للأنبياء ممّا أشرنا إليه.
والمخاطب في كلمة "أنتم" يمكن أن يكون النّبي(ص) والمؤمنين الحقيقيين، ويمكن أن يكون جميع أصحاب الحق من الأنيباء والائمّة المعصومين(ع)وأتباعهم، لأنّ هذه المجموعة من الكفار تخالف جميع اتباع الحق.
(فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) بالياء والتاء (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله .