لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير إحترام الوالدين: لتكميل البحوث السابقة حول التوحيد والشرك، وأهميّة وعظمة القرآن، والحكمة التي استعملت واتّبعت في هذا الكتاب السماوي، فقد ورد الكلام في هذه الآيات التي نبحثها والآيات الاُخرى التالية عن لقمان الحكيم، وعن جانب من المواعظ المهمّة لهذا الرجل المتألّه في باب التوحيد ومحاربة الشرك، وقد إنعكست المسائل الأخلاقيّة المهمّة في مواعظ لقمان لإبنه. إنّ هذه المواعظ العشرة التي ذكرت ضمن ستّ آيات، قد بيّنت باُسلوب رائع المسائل العقائدية، إضافةً إلى اُصول الواجبات الدينيّة والمباحث الأخلاقية. وسنبحث فيما بعد - في بحث الملاحظات - إن شاء الله تعالى، من هو لقمان؟ وأيّة خصائص كان يمتلكها؟ ولكنّ ما نذكره هنا هو أنّ القرائن تبيّن أنّه لم يكن نبيّاً، بل كان رجلا ورعاً مهذّباً إنتصر في ميدان جهاد هوى النفس، فكان أن فجّر الله تعالى في قلبه ينابيع العلم والحكمة. ويكفي في عظمة مقامه أنّ الله قد قرن مواعظه بكلامه، وذكرها في طيّات آيات القرآن. أجل... عندما يتنوّر قلب الإنسان بنور الحكمة نتيجة للطهارة والتقوى، فإنّ الكلام الإلهي يجري على لسانه، ويقول ما يقوله الله، ويفكّر بالشكل الذي يرضاه الله! بعد هذا التوضيح الموجز نعود إلى تفسير الآيات: تقول الآية الاُولى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غنيّ حميد)(1). فما هي الحكمة؟ في معرض الحديث عن ماهية الحكمة ينبغي القول: إنّهم قد ذكروا للحكمة معاني كثيرة، مثل: معرفة أسرار عالم الوجود، والإحاطة والعلم بحقائق القرآن، والوصول إلى الحقّ من جهة القول والعمل، ومعرفة الله. إلاّ أنّ كلّ هذه المعاني يمكن جمعها في تعريف واحد، فالحكمة التي يتحدّث عنها القرآن، والتي كان الله قد آتاها لقمان، كانت مجموعة من المعرفة والعلم، والأخلاق الطاهرة والتقوى ونور الهداية. وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر (ع)، أنّه قال لهشام بن الحكم في تفسير هذه الآية: "إنّ الحكمة هي الفهم والعقل"(2). وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية، أنّه قال: "اُوتي معرفة إمام زمانه"(3). ومن الواضح أنّ كلاًّ من هذه المفاهيم يعتبر أحد فروع معنى الحكمة الواسع، ولا منافاة بينها. وعلى كلّ حال، فإنّ لقمان بإمتلاكه هذه الحكمة كان يشكر الله، فقد كان يعلم الهدف من وراء هذه النعم الإلهيّة، وكيفيّة إستغلالها والإستفادة منها، وكان يضعها بدقّة وصواب كامل في مكانها المناسب لتحقيق الهدف الذي خلقت من أجله، وهذه هي الحكمة، هي وضع كلّ شيء في موضعه، وبناءً على هذا فإنّ الشكر والحكمة يعودان إلى نقطة واحدة. وقد اتّضحت نتيجة الشكر والكفران للنعم بصورة ضمنية في الآية، وهي أنّ شكر النعمة سيكون من صالح الإنسان وفي منفعته، وأنّ كفران النعمة سيكون سبباً لضرره أيضاً، لأنّ الله سبحانه غنيّ عن العالمين، فلو أنّ كلّ الممكنات قد شكرته فلا يزيد في عظمته شيء، ولو أنّ كلّ الكائنات كفرت فلا ينقص من كبريائه شيء! إنّ "اللام" في جملة (أن اشكر لله) لام الإختصاص، و "اللام" في (لنفسه)لام النفع، وبناءً على هذا، فإنّ نفع الشكر، والذي هو دوام النعمة وكثرتها، إضافة إلى ثواب الآخرة يعود على الإنسان نفسه، كما أنّ مضرّة الكفر تحيق به فقط. والتعبير بـ (غنيّ حميد) إشارة إلى شكر الناس للأفراد العاديين أمّا أن يؤدّي إلى النفع المادّي للمشكور، أو زيادة مكانة صاحبه في أنظار الناس، إلاّ أنّ أيّاً من هذين الأمرين لا معنى له ولا مصداق في حقّ الله تعالى، فإنّه غنيّ عن الجميع، وهو أهل لحمد كلّ الحامدين وثنائهم، فالملائكة تحمده، وكلّ ذرّات الوجود والموجودات مشغولة بتسبيحه، وإذا ما نطق إنسان بالكفر فليس له أدنى تأثير، فحتّى ذرّات وجوده مشغولة بحمده وثنائه بلسان الحال! وممّا يجدر ذكره أنّ الشكر قد ذكر بصيغة المضارع، والذي يدلّ على الإستمرار، أمّا الكفر فقد جاء بصيغة الماضي الذي يصدق حتّى على المرّة الواحدة، وهذا إشارة إلى أنّ الكفران ولو لمرّة واحدة يمكن أن يؤدّي إلى عواقب وخيمة مؤلمة، أمّا الشكر فإنّه لازم، ويجب أن يكون مستمرّاً ليطوي الإنسان مسيره التكاملي. ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ﴾ ابن باعور ابن أخت أيوب أو خالته وعمر حتى أدرك داود ﴿الْحِكْمَةَ﴾ تشمل العقل والعلم والعمل به والإصابة في القول ﴿أَنِ﴾ لأن أو أي ﴿اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ لعود نفعه إليها ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ﴾ عن الشكر ﴿حَمِيدٌ﴾ حقيق بالحمد وإن لم يحمدوا.