وتجيب الآية هؤلاء عن طريق آخر، فتقول: لا تتصوّروا أنّ شخصيتكم بأبدانكم وأجسامكم، بل بأرواحكم، وهي باقية ومحفوظة: (قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون).
إذا لاحظنا أنّ معنى "يتوفّاكم" - من مادة "توفّي" (على وزن تصدّي)، هو الإستيفاء، فإنّ الموت سوف لا يعني الفناء، بل نوع من قبض الملائكة لروح الإنسان التي تشكّل أهمّ من وجود الإنسان.
صحيح أنّ القرآن يتحدّث عن المعاد الجسماني، ويعتبر رجوع الروح والجسم المادّي في المعاد حتميّاً، إلاّ أنّ الهدف من الآية أعلاه هو بيان أنّ هذه الأجزاء الماديّة التي شغلتم بها فكركم تماماً ليست هي أساس شخصيّة الإنسان، بل الأساس هو الجوهر الروحي الذي جاء من قبل الله تعالى وإليه يرجع.
وفي المجموع يمكن أن يقال: إنّ الآيتين أعلاه تجيبان منكري المعاد بهذا الجواب: إذا كان إشكالكم في تفرّق الأجزاء الجسمية، فإنّكم تقرّون بقدرة الله سبحانه ولا تنكرونها، وإذا كان إشكالكم في إضمحلال وفناء شخصية الإنسان على أثر تناثر تلك الذرّات، فلا يصحّ ذلك لأنّ أساس شخصيّة الإنسان يستند إلى الروح.
وهذا الإيراد لا يختلف عن شبهة (الآكل والمأكول) المعروفة، كما أنّ جوابه في الموردين يشبه جواب تلك الشبهة(2).
وثمّة مسألة ينبغي التوجّه إليها، وهي أنّ في بعض آيات القرآن نُسب التوفّي إلى الله سبحانه: (الله يتوفّى الأنفس حين موتها)، (3) وفي بعضها إلى مجموعة من الملائكة: (الذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...).
(4) وفي الآيات مورد البحث نسب قبض الأرواح إلى ملك الموت، إلاّ أنّه لا منافاة بين هذه التعبيرات مطلقاً، فإنّ لملك الموت معنى الجنس، وهو يطلق على كلّ الملائكة، أو هو إشارة إلى كبير الملائكة وزعيمها، ولمّا كان الجميع يقبضون الأرواح بأمر الله سبحانه، فقد نسب الفعل إلى الله عزّوجلّ.
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم﴾ بقبض أرواحكم لا يبقى منها شيئا أو منكم أحدا ﴿مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ للجزاء.