التّفسير
جوائز عظيمة لم يطّلع عليها أحد!
إنّ طريقة القرآن هي أنّه يبيّن كثيراً من الحقائق من خلال مقارنتها مع بعضها، لتكون مفهومة ومستقرّة في القلب تماماً، وهنا أيضاً بعد الشرح والتفصيل الذي مرّ في الآيات السابقة حول المجرمين والكافرين، فإنّه يتطرّق إلى صفات المؤمنين الحقيقيين البارزة، ويبيّن اُصولهم العقائدية، وبرامجهم العملية بصورة مضغوطة ضمن آيتين بذكر ثمان صفات(1)، فيقول أوّلا: (إنّما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّداً وسبحوا بحمد ربّهم وهم لا يستكبرون).
التعبير بـ (إنّما) الذي يستعمل عادةً لإفادة معنى الحصر، يبيّن أنّ كلّ من يتحدّث عن الإيمان ويتمشدق به، ولا يمتلك الخصائص والصفات التي وردت في هذه الآيات، فإنّه لا يكون في صفّ المؤمنين الواقعيين، بل هو شخص ضعيف الإيمان.
لقد بيّنت في هذه الآية أربع صفات:
1- أنّهم يسجدون بمجرّد سماعهم آيات الله، والتعبير بـ (خرّوا) بدل (سجدوا) إشارة إلى نكتة لطيفة، وهي أنّ هؤلاء المؤمنين ينجذبون إلى كلام الله لدى سماعهم آيات القرآن ويهيمون فيها بحيث يسجدون لا إرادياً(2).
نعم... إنّ أوّل خصائص هؤلاء هو العشق الملتهب، والعلاقة الحميمة بكلام محبوبهم ومعشوقهم.
لقد ذكرت هذه الصفة والخاصية في بعض آيات القرآن الاُخرى كأحد أبرز صفات الأنبياء، كما يقول الله سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّداً وبكيّاً).(3)
وبالرغم من أنّ الآيات هنا ذكرت بصورة مطلقة، ولكن من المعلوم أنّ المراد منها غالباً الآيات التي تدعو إلى التوحيد ومحاربة الشرك.
2- 3- علامتهم الثّانية والثالثة تسبيح الله وحمده، فهم ينزّهون الله تعالى عن النقائص من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّهم يحمدونه ويثنون عليه لصفات كمالهُ وجماله.
4- والصفة الاُخرى لهؤلاء هي التواضع وترك كلّ أنواع التكبّر، لأنّ الكبر والغرور أوّل درجات الكفر والجحود، والتواضع أمام الحقّ والحقيقة أُولى خطوات الإيمان!
إنّ الذين يسيرون في طريق الكبر والعُجب لا يسجدون لله، ولا يسبّحونه ولا يحمدونه، ولا يعترفون بحقوق عباده! إنّ لهؤلاء صنماً عظيماً، وهو أنفسهم!
﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا﴾ وعظوا ﴿بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا﴾ خشية وتواضعا لله ﴿وَسَبَّحُوا﴾ نزهوه عما لا يليق به متلبسين ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ شكرا على نعمه ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن عبادته.