وتبين الآية التالية الهدف من بعثة الأنبياء والميثاق الغليظ الذي اُخذ منهم، فتقول: (ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً).
للمفسّرين تفسيرات كثيرة لكلمة "الصادقين"، ومن هم المقصودون بها؟ وأيّ سؤال هذا السؤال؟ إلاّ أنّ الذي يبدو منسجماً مع آيات هذه السورة وآيات القرآن الاُخرى، هو: أنّ المراد منهم المؤمنون الذين صدّقوا ادّعاءهم بالعمل، وأثبتوا صدقه بترجمته عمليّاً، وبتعبير آخر: فإنّهم خرجوا من ساحة الإختبار والإمتحان الإلهي مرفوعي الرؤوس.
والشاهد لهذا القول:
أوّلا: إنّ "الصادقين" هنا وُضعوا في مقابل الكافرين، فيستفاد هذا المعنى بوضوح من قرينة المقابلة.
ثانياً: نقرأ في الآية ( رقم 23) من هذه السورة: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ثمّ تقول الآية ( رقم 24) مباشرةً: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم).
ثالثاً: عرّفت الآية ( رقم 15) من سورة الحجرات، و من سورة الحشر (الصادقين) جيّداً، ففي آية الحجرات نقرأ: (إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله اُولئك هم الصادقون).
وتقول آية الحشر: (للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله اُولئك هم الصادقون).
وبهذا يتّضح أنّ المراد من الصادقين: هم الذين أثبتوا صدقهم وإخلاصهم في ميادين حماية دين الله والجهاد والثبات والصمود أمام المشاكل وبذل الأرواح والأموال(2).
أمّا ما هو المراد من سؤال الصادقين عن صدقهم؟ فيتّضح بملاحظة ما قلناه آنفاً أنّ المراد هو: هل يُثبتون إخلاص نيّتهم في أعمالهم ويصدقون في إدّعائهم... في الإنفاق والجهاد والثبات أمام الصعاب والمشاكل، وخاصّة صعوبات ميدان الحرب، أم لا؟
وأين سأل هذا السؤال؟ ظاهر الآية أنّه في القيامة، في محكمة العدل الإلهيّة، وآيات القرآن العديدة أيضاً تخبر عن وقوع مثل هذا السؤال في القيامة بصورة عامّة.
إلاّ أنّه يحتمل أيضاً أن يكون لهذا السؤال جانب عملي ويقع في الدنيا، حيث يخضع كلّ من يدّعي الإيمان للسؤال عن بعثة الأنبياء، وعمله هو الجواب على هذا السؤال، لأنّه سيقرّر فيما إذا كان صادقاً في إدّعائه.
﴿لِيَسئلَ﴾ الله ﴿الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾ الأنبياء عن تبليغ الرسالة ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.