لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير الإمتحان الإلهي العظيم في مواجهة الأحزاب: تتحدّث هذه الآيات والآيات الاُخرى التالية، والتي تشكّل بمجموعها سبع عشرة آية، عن أعسر الإمتحانات والإختبارات الإلهية للمؤمنين والمنافقين، وإختبار مدى صدقهم في العمل، الذي بحث في الآيات السابقة. إنّ هذه الآيات تبحث أحد أهمّ حوادث تاريخ الإسلام، أي عن "معركة الأحزاب"، تلك المعركة التي كانت في الواقع نقطة إنعطاف في تأريخ الإسلام، وقلبت موازين القوى بين الإسلام والكفر لصالح المسلمين، وكان ذلك النصر مفتاحاً للإنتصارات المستقبلية العظيمة، فقد إنقصم ظهر الأعداء في هذه الغزوة، ولم يقدروا بعد ذلك على القيام بأيّ عمل مهمّ. إنّ حرب الأحزاب - وكما يدلّ عليها إسمها - كانت مجابهة شاملة من قبل عامّة أعداء الإسلام والفئات المختلفة التي تعرّضت مصالحها ومنافعها اللامشروعة للخطر نتيجة توسّع وإنتشار هذا الدين. لقد اُشعلت أوّل شرارة للحرب من قبل يهود "بني النظير" الذين جاؤوا إلى مكّة وأغروا "قريش" بحرب النّبي (ص)، ووعدوهم بأن يساندوهم ويقفوا إلى جانبهم حتّى النفس الأخير، ثمّ أتوا قبيلة "غطفان" وهيّئوهم لهذا الأمر أيضاً. ثمّ دعت هذه القبائل حلفاءها كقبيلة "بني أسد" و "بني سليم"، ولمّا كان الجميع قد أحسّ بالخطر فإنّهم اتّحدوا واتّفقوا على أن يقضوا على الإسلام إلى الأبد، ويقتلوا النّبي (ص)، ويقضوا على المسلمين، ويغيروا على المدينة ويطفئوا مشعل الإسلام ونوره. أمّا المسلمون الذين رأوا أنفسهم أمام هذا الجحفل الجرّار، فإنّهم إجتمعوا للتشاور بأمر النّبي (ص)، وقبل كلّ شيء أخذوا برأي "سلمان الفارسي" وحفروا حول المدينة خندقاً حتّى لا يستطيع العدو عبوره بسهولة ويهجم على المدينة، ولهذا كان أحد أسماء هذه المعركة "معركة الخندق". لقد مرّت لحظات صعبة وخطرة جدّاً على المسلمين، وكانت القلوب قد بلغت الحناجر، وكان المنافقون من جهة اُخرى قد شمّروا عن السواعد وجدّوا في تآمرهم على الإسلام، وكذلك ضخامة عدد الأعداء وقلّة عدد المسلمين - (ذكروا أنّ عدد الكفّار كان عشرة آلاف، أمّا المسلمون فكانوا ثلاثة آلاف) وإستعداد الكفّار من ناحية المعدّات الحربية وتهيئة كافّة المستلزمات، كلّ ذلك قد رسم صورة كالحة للمصير المجهول في أعين المسلمين. إلاّ أنّ الله سبحانه أراد أن ينزل هنا آخر ضربة بالكفر، ويميّز صفّ المنافقين عن صفوف المسلمين، ويفضح المتآمرين، ويضع المسلمين الحقيقيين في موضع الإختبار العسير. وأخيراً إنتهت هذه الغزوة بإنتصار المسلمين - كما سيأتي تفصيل ذلك - فقد هبّت بأمر الله عاصفة هوجاًء إقتلعت خيام الكفّار وأتلفت وسائلهم، وألقت في قلوبهم الرعب الشديد، وأرسل سبحانه قوى الملائكة الغيبية لعون المسلمين. وقد اُضيف إلى ذلك تجلّي قدرة وعظمة أمير المؤمنين علي (ع) أمام عمرو بن عبد ودّ، فلاذ المشركون بالفرار من دون القدرة على القيام بأيّ عمل. نزلت الآيات السبع عشرة من هذه السورة، وإستطاعت بتحليلاتها الدقيقة والفاضحة أن تستفيد من هذه الحادثة المهمّة من أجل إنتصار الإسلام النهائي وقمع المنافقين بأفضل وجه. كان هذا عرضاً لمعركة الأحزاب التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة(1)، ومن هنا نتوجّه إلى تفسير الآيات ونؤجّل سائر جزئيات هذه الغزوة إلى بحث الملاحظات. يلخّص القرآن الكريم هذه الحادثة في آية واحدة أوّلا، ثمّ يتناول تبيان خصوصياتها في الستّ عشرة آية الاُخرى، فيقول: (ياأيّها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود (كثيرة جدّاً) فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً) ويعلم أعمال كلّ جماعة وما قامت به في هذا الميدان الكبير. وهنا جملة مطالب تستحقّ الدقّة: 1- إنّ تعبير (اذكروا) يوحي بأنّ هذه الآيات نزلت بعد إنتهاء الحرب ومضي فترة من الزمن أتاحت للمسلمين أن يحلّلوا في عقولهم وأفكارهم ما كانوا قد رأوه ليكون التأثير أعمق. 2- إنّ التعبير بـ "الجنود" إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلية كقريش وغطفان وبني سليم وبني أسد وبني فزارة وبني أشجع وبني مرّة، وكذلك إلى طائفة اليهود في داخل المدينة. 3- إنّ المراد من (جنوداً لم تروها) والتي نزلت لنصرة المسلمين، هو "الملائكة" التي ورد نصرها للمؤمنين في غزوة بدر في القرآن المجيد بصراحة، ولكن كما بيّنا في ذيل من سورة الأنفال، فإنّا لا نمتلك الدليل على أنّ هذه الجنود الإلهية اللامرئية نزلت إلى الميدان وحاربت، بل إنّ القرائن الموجودة تبيّن أنّ الملائكة نزلت لرفع معنويات المؤمنين وشدّ عزيمتهم وإثارة حماسهم(2). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ﴾ من الكفار ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ ملائكة ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾.