هنا كان الإمتحان الإلهي قد بلغ أشدّه كما تقول الآية التالية: (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً).
من الطبيعي أنّ الإنسان إذا اُحيط بالعواصف الفكرية، فإنّ جسمه لا يبقى بمعزل عن هذا الإبتلاء، بل ستظهر عليه آثار الإضطراب والتزلزل، وكثيراً ما نرى أنّ الأشخاص المضطربين فكرياً لا يستطيعون الإستقرار في مجلسهم وتنعكس وبشكل واضح إضطراباتهم الفكرية من خلال حركاتهم وصفقهم يداً بيد.
وأحد شواهد هذا القلق والإضطراب الشديد ما نقلوه من أنّ خمسة من أبطال العرب المعروفين - وكان على رأسهم "عمرو بن عبد ودّ" - نزلوا إلى الميدان بغطرسة متميّزة وإعتداد بالنفس كبير، فقالوا: هل من مبارز؟ سيّما عمرو بن عبد ودّ الذي كان يرتجز ويسخر من المسلمين ويستهزىء بالجنّة والآخرة، وكان يقول: أيّها المسلمون ألم تزعموا أنّ قتلاكم في الجنّة؟ فهل فيكم من يشتاق إلى الجنّة؟ إلاّ أنّ السكوت ساد على معسكر المسلمين أمام سخريته وإستهزائه ودعوته للبراز، ولم يجرؤ أحد على مناجزته، إلاّ علي بن أبي طالب (ع) الذي هبّ لمبارزته، وحقّق نصراً كبيراً للمسلمين، وسيأتي ذلك مفصّلا في البحوث.
نعم... إنّ الحديد يزداد صلابة وجودة إذا عرض على النار، والمسلمون الأوائل كان يجب أن يوضعوا في بوتقة الحوادث الصعبة المرّة، وخاصّة في غزوات كغزوة الأحزاب، ليصبحوا أشدّ مقاومة وصلابة.
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ اختبروا فتبين المخلص الثابت من غيره ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ أزعجوا ﴿زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ من الفزع.