وتجسّد الآية التالية بتصوير أبلغ جبن وخوف هذه الفئة، فتقول: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) من شدّة خوفهم ورعبهم، فقد خيّم عليهم كابوس مخيف، فكأنّ جنود الكفر يمرّون دائماً أمام أعينهم وقد سلّوا السيوف ومالوا عليهم بالرماح!
إنّ هؤلاء المحاربين الجبناء، والمنافقين خائري القلوب والقوى يخافون حتّى من ظلالهم، وينطوون على أنفسهم من الخوف لدى سماع صهيل الخيل ورغاء البعير، ظنّاً أنّ جيوش الأحزاب قد عادت!
ثمّ تضيف الآية: (وإن يأت الأحزاب يودّون لو أنّهم بادون في الأعراب) أي منتشرون في الصحراء بين أعراب البادية، فيختفون هناك ويتتبّعون أخباركم و (يسألون عن أنبائكم) فيسألون لحظة بلحظة من كلّ مسافر آخر الأخبار لئلاّ تكون الأحزاب قد إقتربت منهم، وهم مع ذلك يمنّون عليكم بأنّهم كانوا يتابعون أخباركم دائماً!!
وتضيف الآية في آخر جملة: وعلى فرض أنّهم لم ينهزموا ويفرّوا من الميدان، بل بقوا معكم: (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاّ قليلا).
فلا تحزنوا وتقلقوا لذهابهم، ولا تفرحوا بوجودهم بينكم، فإنّهم اُناس لا قيمة لهم ولا صفة تحمد، وعدمهم أفضل من وجودهم!
وحتّى هذا القدر المختصر من العمل لم يكن لله أيضاً، بل هو نتيجة الخوف من ملامة وتقريع الناس، وللتظاهر والرياء، لأنّه لو كان لله لكانوا يقفون ويثبتون في ساحة الحرب ما دام فيهم عرق ينبض.
﴿يَحْسَبُونَ﴾ أي هؤلاء لجبنهم ﴿الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ منهزمين وقد ذهبوا فانصرفوا إلى المدينة خوفا ﴿وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ﴾ كرة أخرى ﴿يَوَدُّوا﴾ يتمنوا ﴿لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ خارجون إلى البدو وكائنون في الأعراب ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ﴾ أخباركم ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ رياء.