والآية التالية بمثابة نتيجة وعلّة غائيّة للتسبيح في الواقع، فهي تقول: (هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) أي من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم والتقوى (وكان بالمؤمنين رحيماً)وبسبب هذه الرحمة كتب على نفسه هداية البشر وإرشادهم، وأمر ملائكته أن تعينهم في ذلك.
"يصلّي" من مادة (صلاة) وهي هنا تعني الرعاية والعناية الخاصّة، وهذه العناية بالنسبة لله تعني نزول الرحمة، وبالنسبة للملائكة تعني الإستغفار وطلب الرحمة، كما نقرأ ذلك في من سورة غافر: (ويستغفرون للذين آمنوا).
وعلى أيّة حال، فإنّ هذه الآية تتضمّن بشارة عظيمة للمؤمنين الذاكرين الله على الدوام، فهي تقول بصراحة: إنّ هؤلاء ليسوا وحدهم في سيرهم إلى الله، بل إنّهم - بمقتضى (يصلّي) وهو فعل مضارع يدلّ على الإستمرار - يسيرون في ظلّ رحمة الله وملائكته، وفي ظلّ هذه الرحمة تزاح حجب الظلمة، ويغمر قلوبهم وأرواحهم نور العلم والحكمة والإيمان والتقوى.
نعم... إنّ هذه الآية بشارة كبرى لكلّ سالكي طريق الحقّ بأنّ هناك جاذبية قوية من جانب المعشوق تجذب العاشق إليها لينتهي سعي هذا العاشق الصبّ إلى نتيجة ولا يذهب سدى!
إنّ هذه الآية ضمان لكلّ المجاهدين في سبيل الله أن لا ينالهم قسم الشيطان على إغواء بني آدم، لأنّهم في زمرة المخلِصين المخلَصين، وقد أظهر الشيطان عجزه عن إضلال هذه الزمرة منذ الوهلة الاُولى فقال: (فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين).(2)
إنّ جملة (وكان بالمؤمنين رحيماً) وبملاحظة أنّ (كان) فعل ماض يدلّ على أنّ الله كان رحيماً بالمؤمنين رحمة خاصّة على الدوام، تأكيد مجدّد على ما جاء في بداية السورة.
أجل... هذه هي رحمة الله الخاصّة التي تخرج المؤمنين من ظلمات الأوهام والشهوات والوساوس الشيطانية، وتهديهم إلى نور اليقين والإطمئنان والسيطرة على النفس، ولولا رحمته سبحانه فإنّ هذا الطريق المليء بالمنعطفات والعراقيل لا يكون سالكاً.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ يرحمكم ﴿وَمَلَائِكَتُهُ﴾ يطلبون لكم الرحمة والمغفرة ﴿لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ﴾ عن الجهل بالله ﴿إِلَى النُّورِ﴾ إلى معرفته أو من الكفر إلى الإيمان ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ يشعر بإرادة الرحمة من الصلاة.