لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وحذّرت الآية الثّانية الناس بشدّة، فقالت: (إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإنّ الله كان بكلّ شيء عليماً) فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه لا يعلم ما خططتم له في سبيل إيذاء النّبي (ص) سواء ما ذكرتموه، أو الذي أضمرتموه، فإنّه تعالى يعلم كلّ ذلك جيداً، ويعامل كلّ إنسان بما يناسب عمله. بحوث مناسبة للبحث الذي ورد في الآيات المذكورة في شأن واجبات المسلمين عندما يدعون إلى ضيافة النّبي (ص)، نورد جانباً من تعليمات الإسلام فيما يتعلّق بأصل مسألة "الضيافة"، وحقّ الضيف، وواجبات المضيف: 1- الضيافة: لقد أولى الإسلام مسألة الضيافة أهميّة خاصّة، حتّى أنّه ورد في حديث عن النّبي (ص): "الضيف دليل الجنّة"(9). إنّ أهميّة الضيف ووجوب إحترامه وتقديره، بلغ حدّاً إعتبر فيه هدية سماوية، فإنّ رسول الله (ص) يقول: "إذا أراد الله بقوم خيراً أهدى إليهم هدية، قالوا: وما تلك الهدية؟ قال: الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت"(10). والطريف أنّ رجلا حضر عند النّبي (ص) فقال: فداك أبي واُمّي، إنّي اُسبغ الوضوء، واُقيم الصلاة، واُؤتي الزكاة في حينها، واُرحّب بالضيف واُقريه في الله، فقال (ص): "بخ بخ بخ! ما لجهنّم عليك سبيل! إنّ الله قد برأك من الشحّ إن كنت كذلك". الكلام في هذا الباب كثير، ونكتفي بهذا القدر رعاية للإختصار. 2- مراعاة البساطة في الضيافة: مع كلّ الأهمية التي يتمتّع بها الضيف، فإنّ الضيافة إذا اتّسمت بالتكلّف فإنّها غير راجحة من وجهة نظر الإسلام، بل ونهى عنها، فإنّ الإسلام يوصي بأن تكون الضيافة بسيطة، وجعل معياراً عادلا بين الضيف والمضيف، وهو: أن لا يبخل المضيف بما عنده ويحضره، وأن لا يتوقّع الضيف أكثر من ذلك! يقول الإمام الصادق (ع): "المؤمن لا يحتشم من أخيه، وما أدري أيّهما أعجب؟! الذي يكلّف أخاه إذا دخل عليه أن يتكلّف له، أو المتكلّف لأخيه؟"(11). ويروي سلمان الفارسي عن النّبي الأكرم (ص) أنّه قال: "أن لا نتكلّف للضيف ما ليس عندنا، وأن نقدّم إليه ما حضرنا"(12). 3- حقّ الضيف: قلنا: إنّ الضيف كالهدية السماوية من وجهة نظر الإسلام، ويجب أن يرحّب به ويكرم غاية الإكرام، ويحترم أقصى ما يمكن، حتّى أنّ أمير المؤمنين علياً (ع)يروي عن النّبي الأكرم (ص) أنّه قال: "من حقّ الضيف أن تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى البر"(13). ويجب تهيئة مستلزمات راحته إلى الحدّ الذي لا يبلغ التكلّف، حتّى أنّه ورد في حديث أنّ رسول الله (ص) قال: "إنّ من حقّ الضيف أن يعد له الخلال"(14). وقد يكون الضيوف خجولين أحياناً، ولذلك فقد صدر أمر بعدم سؤالهم عمّا إذا كانوا قد تناولوا الطعام أم لا، بل يمدّ لهم السماط فإن شاءوا وأكلوا، كما يقول الإمام الصادق (ع): "لا تقل لأخيك إذا دخل عليك أكلت اليوم شيئاً؟ ولكن قرّب إليه ما عندك، فإنّ الجواد كلّ الجواد من بذل ما عنده"(15). ومن جملة واجبات المضيف أمام الله سبحانه أن لا يحقّر الطعام الذي أعدّه، لأنّ نعمة الله سبحانه عزيزة ومحترمة مهما كانت، إلاّ أنّ المتعارف بين المترفين وأهل التكلّف أنّهم مهما نوّعوا السماط وملؤوه بأنواع الأطعمة فإنّهم يقولون: هذا شيء بسيط لا يليق بمقامكم! وفي المقابل يجب أن لا يحتقر الضيف ما قدّم إليه، ففي حديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، وهلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدّم إليه"(16). إنّ الإسلام دقيق النظرة في إكرام الضيف، فهو يقول: استقبل الضيف وأعنه عندما يدخل إلى بيتك، أمّا إذا أراد الخروج فلا تعنه لئلاّ يتصوّر بأنّك راغب في خروجه(17). 4- واجبات الضيف: إنّ المسؤوليات تكون متقابلة دائماً، فكما أنّ على المضيف واجبات تجاه الضيف، فكذلك توجد على الضيف واجبات ينبغي أن يراعيها. فعلاوة على ما ذكر في الأحاديث السابقة، فإنّ على الضيف أن ينفّذ ما يطلبه منه صاحب البيت ويقترحه عليه في شأن منزله، فإذا طلب منه أن يجلس في مكان ما مثلا فليفعل، فإنّ الإمام الصادق (ع) يقول: "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه"(18). وملخّص الكلام أنّ مسألة الضيافة وآدابها قد خصّص لها بحث واسع في آداب المعاشرة الإسلامية، وليراجع لمزيد الإيضاح في هذا الباب "بحار الأنوار"، الأبواب 88- 94 من أبواب العشرة، المجلّد 17 و "المحجّة البيضاء"، المجلّد 3 الباب الرابع فضيلة الضيافة. إلاّ أنّ هذه السنّة الإنسانية القديمة قد تقلّصت وللأسف الشديد في عصرنا الحاضر... عصر غلبة المادية وطغيانها في العالم، وهيمنتها عليه، بل إنّها قد اجتّثت تقريباً في بعض المجتمعات الغربية، وقد سمعنا أنّ بعض اُولئك عندما يأتون إلى البلاد الإسلامية ويرون إنتشار مسألة الضيافة التي لا زالت قائمة في البيوتات الأصيلة، ومدى العواطف التي تكتنفها، فإنّهم يتعجّبون كيف يمكن أن يقدّم الناس أفضل الوسائل الموجودة في البيت، وأنفس الأطعمة وألذّها للضيوف الذين ربّما تربطهم بهم رابطة ضعيفة أحياناً، وربّما كانوا قد تعارفوا في سفرة قصيرة؟! إلاّ أنّ ملاحظة الأحاديث الإسلامية - التي ورد قسم منها قبل قليل - تبيّن سبب هذه التضحية والإيثار، وتوضّح الحسابات المعنوية في هذا المجال... تلك الحسابات التي لا تعني شيئاً لدى عبّاد المادّة والغارقين في بحرها. ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئًا﴾ في نكاحهن ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ في قلوبكم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ فيجازيكم به وفيه تهديد بليغ.