سبب النّزول
يروي بعض المفسّرين أنّ آباء نساء النّبي وأبناءهنّ وعوائلهنّ سألوا رسول الله (ص) بعد نزول آية الحجاب - الآية السابقة ـ: يارسول الله، ونحن أيضاً نحدّثهنّ من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية بأنّها لا تشملكم.
التّفسير
الموارد المستثناة من قانون الحجاب:
لمّا كان الحكم الذي ورد في الآية السابقة حول حجاب نساء النّبي مطلقاً، ويمكن أن يوهم هذا الإطلاق بأنّ المحارم مكلّفون بتنفيذه أيضاً، وأن يحدّثوهنّ من وراء حجاب كالأجانب، فقد نزلت هذه الآية وفصلت حكم هذه المسألة.
تقول الآية: (لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهنّ).
وبتعبير آخر: فإنّ محارمهنّ الذين استثنوا في الآية هم هؤلاء الستّة فقط، وإذا قيل: إنّ هناك أفراداً من المحارم أيضاً لم يجر لهم ذكر في الآية كالأعمام والأخوال، فيجاب على هذا السؤال بأنّه:
لمّا كان القرآن يراعي الفصاحة والبلاغة في أجلى صورها وأسماها، وأحد اُصول الفصاحة هو أن لا تكون في الكلام أي كلمة زائدة، فقد إمتنع عن ذكر الأعمام والأخوال هنا، وذلك لأنّه حينما ذكر أولاد الأخ وأولاد الاُخت، فسوف يتّضح حكم الأعمام والأخوال من المحارم، لأنّ لهذه المحرمية جانبان، فكما أنّ ابن الأخ محرم بالنسبة إلى المرأة، فإنّها ستكون محرماً أيضاً بالنسبة إلى ابن أخيها - ونحن نعلم أنّ مثل هذه المرأة تعتبر "عمّة" - ولأنّ ابن الاُخت كما هو محرم عليها فإنّها ستكون محرماً بالنسبة إلى ابن الاُخت، ونعلم أنّ مثل هذه المرأة هي "الخالة".
وعندما تكون العمّة والخالة محرماً بالنسبة إلى ابن الأخ وابن الاُخت، فإنّ العمّ والخال سيكونان أيضاً محرماً بالنسبة إلى ابنة الأخ وابنة الاُخت، حيث لا فرق بين العمّ والعمّة، والخال والخالة، وهذه إحدى دقائق القرآن الكريم.
(تدبّر ذلك).
وهنا يطرح سؤال آخر، وهو: إنّ أبا الزوج وابن الزوج بعض محارم المرأة، فلماذا لم يذكرا هنا؟ في حين أنّهما ذكرا من جملة المحارم في الآية ( رقم 31) من سورة النور.
والإجابة عن هذا السؤال واضحة، لأنّ الكلام في هذه الآية منحصر في حكم نساء النّبي (ص)، ونحن نعلم أنّ أبا النّبي (ص) لم يكن موجوداً حال حياته، ولا اُمّه، ولم يكن له ابن(1).
"فتأمّل".
إنّ عدم ذكر الإخوة والأخوات من الرضاعة، وأمثالهم بسبب أنّ هؤلاء في حكم الأخ والاُخت وسائر المحارم، ولا يحتاجون إلى ذكر مستقل.
ويتغيّر اُسلوب الآية في نهايتها من الغائب إلى المخاطب، فتخاطب نساء النّبي وتقول: (واتّقين الله إنّ الله كان على كلّ شيء شهيداً) فإنّ الحجاب والستر وأمثالهما وسائل للحفظ والإبعاد عن الذنب والمعصية ليس إلاّ، والدعامة الأساسية هي التقوى فحسب، ولولاها فسوف لا تنفع كلّ هذه الوسائل.
والجدير بالذكر أنّ (نسائهنّ) إشارة إلى النساء المسلمات، وذلك لأنّ من غير اللائق بالنساء المسلمات - وكما قلنا في تفسير سورة النور - أن يكنّ بدون حجاب أمام غير المسلمات، إذ أنّ من الممكن أن تصفهنّ غير المسلمات لأزواجهنّ(2).
وأمّا جملة: (ولا ما ملكت أيمانهنّ) فلها معنى واسع - كما قلنا ذلك في تفسير سورة النور أيضاً - يشمل الجواري والغلمان، إلاّ أنّها تختّص بالجواري طبقاً لبعض الرّوايات الإسلامية، وبناءً على هذا فإن ذكرهنّ بعد ذكر "النساء" قد يكون من جهة شمولها للجواري غير المسلمات عموماً.
(دقّقوا ذلك).
﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ﴾ أن لا يحتجبن به عنهم ولم يذكر العم والخال لأنهما كالوالدين أو الأخوين ﴿وَلَا نِسَائِهِنَّ﴾ أي المؤمنات أو كل النساء ﴿وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ من الإماء أو ما يعمها والعبد كما مر في النور ﴿وَاتَّقِينَ اللَّهَ﴾ فيما كلفتنه ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ لا يغيب عنه شيء.