وتتحدّث الآية الأخيرة عن إيذاء المؤمنين، وتهتمّ به جدّاً بعد إيذاء الله ورسوله (ص) ، فتقول: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) لأنّ للمؤمن علاقة بالله ورسوله عن طريق الإيمان، ولهذا جعل في مرتبة الله ورسوله هنا.
وتعبير (بغير ما اكتسبوا) إشارة إلى أنّ هؤلاء لم يرتكبوا ذنباً حتّى يؤذوا، ومن هنا يتّضح أنّهم إن بدر منهم ذنب يستوجب الحدّ والقصاص فلا مانع من إجرائه وتنفيذه في حقّهم، وكذلك لا يشمل هذا الكلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنّ تقديم "البهتان" على "الإثم المبين" لأهميّته، لأنّ البهتان يعتبر من أكبر الذنوب، والجراحات التي تنجم عنه أشدّ ألماً من جراحات السنان، كما قال الشاعر العربي:
جراحات السنان لها التيام ولا يلتام ما جرح اللسان وقد أولت الرّوايات الإسلامية هذه المسألة إهتماماً فائقاً، ففي حديث عن الإمام الصادق (ع) : "إنّ الله عزّوجلّ يقول: "ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن" (13).
وقال بعض المفسّرين: يستفاد من اُسلوب الآية أنّ جماعة في المدينة كانوا يطلقون الشائعات ويثيرون الشبهات حول المؤمنين، ويتّهمونهم بما ليس فيهم، وحتّى نبي الله لم يكن بمنأى عن ألسن اُولئك المؤذين.
وهذه الفئة ليست قليلة في المجتمعات الاُخرى، وخاصّة في مجتمعات اليوم، وليس لها عمل إلاّ التآمر ضدّ الصالحين والمحسنين، وإختلاق الأكاذيب والتّهم.
لقد هاجم القرآن الكريم هؤلاء الأشخاص أشدّ هجوم، ووصفت أعمالهم بالبهتان والإثم المبين.
والشاهد لهذا الكلام سيأتي في الآيات التالية.
وجاء في حديث آخر يرويه الإمام علي بن موسى الرضا (ع) عن جدّه رسول الله (ص) : "من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تلّ من نار حتّى يخرج ممّا قاله فيه" (14).
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ بغير ذنب يوجب إيذاءهم ﴿فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ بينا