ويعود تعالى إلى مسألة القيامة والبعث في الآية التي بعدها، ويكمل البحوث السابقة بطريقة اُخرى، فيقول تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مُزقتم كلّ ممزق إنّكم لفي خلق جديد).
يبدو أنّ إصرار - هؤلاء الكفّار - على إنكار مسألة المعاد يعتمد على أمرين:
الأوّل: توهمّهم أنّ المعاد الذي تحدّث عنه رسول الإسلام (ص) وهو "المعاد الجسماني"، أمر يسهل الإشكال عليه والطعن فيه، وأنّ بإمكانهم تنفير الناس منه فينكرونه بسهولة.
الثّاني: أنّ الإعتقاد بالمعاد، أو حتّى القبول بإحتماله - على كلّ حال - إنّما يفرض على الإنسان مسؤوليات وتعهّدات، ويضعه وجهاً لوجه أمام الحقّ، وهذا ما إعتبره رؤوس الكفر خطراً حقيقيّاً، لذا فقد أصرّوا على إلغاء فكرة المعاد والجزاء الاُخروي على الأعمال من أذهان الناس.
فقالوا: أيمكن لهذه العظام المتفسّخة، وهذه الذرّات المبعثرة، التي تعصف بها الريح من كلّ جانب، أن تُجمع في يوم وتُلبس ثوب الحياة من جديد؟
وإستخدامهم لكلمة (رجل) بصيغة النكرة في تعبيرهم عن الرّسول (ص) يقصد منه التحقير "وحاشاه".
ولكن فاتهم أنّنا في بدء الخليقة لم نكن إلاّ أجزاء مبعثرة، فكلّ قطرة ماء في أبداننا إنّما كانت قطرة في زاوية من بحر أو ينبوع ماء، وكلّ ذرّة من مواد أجسامنا، كانت في جانب من جوانب هذه الأرض المترامية، وسيجمعها الله تبارك وتعالى في النهاية أيضاً كما جمعها في البدء، وهو على كلّ شيء قدير.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعضهم لبعض ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ أي محمد ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ يخبركم بأمر عجيب ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ فرقت أوصالكم كل تفريق وعامل إذا ما دل عليه ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي تبعثون