والعجيب أنّهم اعتبروا ذلك دليلا على كذب الرّسول (ص) أو جنونه، وحاشاه (افترى على الله كذباً أم به جنّة).
وإلاّ فكيف يمكن لرجل عاقل أو صادق أن يتفوّه بمثل هذا الحديث!!؟
ولكن القرآن يردّ عليهم بشكل حاسم قائلا: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد).
فأي ضلال أوضح من أن يرى مُنكِرُ المعاد باُمّ عينيه مثالا لهذا المعاد في عالم الطبيعة في كلّ عام بإحياء الأرض الميتة بالزرع.
المعاد الذي لولا وجوده لما كان للحياة في هذا العالم أي معنى أو محتوى.
وأخيراً فإنكار المعاد مساو لإنكار قدرة وعدل وحكمة الله جلّ وعلا.
ولكن لماذا يؤكّد تعالى أنّهم الآن في العذاب والضلال؟
ذلك لأنّ الإنسان يواجه في حياته مشاكل وأحداثاً لا يمكنه - بدون الإيمان بالآخرة - تحمّلها، والحقيقة أنّ الحياة لو حُدَّت بهذه الأيّام القليلة من عمر الدنيا لكان تصوّر الموت بالنسبة لكلّ إنسان كابوساً مرعباً، لهذا السبب نرى أنّ منكري المعاد في قلق دائم منغّص وعذاب أليم، في حال المؤمنين بالمعاد يعتبرون الموت قنطرة إلى عالم البقاء، ووسيلة لكسر القيود والتحرّر من سجن الدنيا.
نعم، فالإيمان بالمعاد، يغمر قلب الإنسان بالطمأنينة، ويهوّن عليه المشكلات، ويجعله أكثر قدرة على الإيثار والفداء والتضحية.
أمّا الذين يرون المعاد - لجهلهم وكفرهم - دليلا على الكذب أو الجنون، إنّما يأسرون أنفسهم في عذاب العمى، والضلال البعيد.
ومع أنّ بعض المفسّرين اعتبروا هذا العذاب إشارة إلى عذاب الآخرة، ولكنّ ظاهر الآية يدلّل على أنّهم أسرى هذا العذاب والضلال الآن وفي هذه الدنيا.
﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل ﴿أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ جنون يخيل له ذلك فيهذي به واحتج بمقابلتهم إياه بالافتراء مع عدم اعتقادهم صدقه على ثبوت واسطة بين الصدق والكذب ورد بأن الكذب أعم من الافتراء ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ عن الحق