قال تعالى: (فاعرضوا) استهانوا بنعمة الله، توهّموا بأنّ العمران والمدنية والأمن أشياء عادية، نسوا الله، وأسكرتهم النعمة، وتفاخر الأغنياء على الفقراء، وظنّوا أنّهم يزاحمونهم في أرزاقهم - كما سيرد في الآيات اللاحقة -.
وهنا مسّهم سوط الجزاء، يقول تعالى: (فأرسلنا عليهم سيل العرم) فدمّر بيوتهم ومزارعهم وحوّلها إلى خرائب... "العرم": من "العرامة" وهي شراسة وصعوبة في الخلق تظهر بالفعل، ووصف "السيل" بالعرم إشارة إلى شدّته وقابليته على التدمير.
وتعبير "سيل العرم" من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة.
وقيل: "العرم" الجرذان الصحراوية، وهي التي سبّبت إنهيار السدّ بنفوذها فيه (قصّة نفوذ الجرذان الصحراوية في السدّ، مع كونها ممكنة - كما سيرد شرحه فيما بعد - لكن تعبير الآية ليس فيه أدنى تناسب مع هذا المعنى).
في "لسان العرب"، مادّة "عرم" وردت معان مختلفة من جملتها "السيل الذي لا يطاق" ومنه قوله تعالى "الآية"، وقيل: إضافة إلى المسنّاة أو السدّ، وقيل: إلى الفأر(4).
ولكن أنسب التفاسير هو الأوّل، وهو الذي إعتمده - أيضاً - علي بن إبراهيم في تفسيره.
بعدئذ يصف القرآن الكريم عاقبة هذه الأرض كما يلي: (وبدلّناهم بجنتيهم جنّتين ذواتي أُكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل).
"أُكل": بمعنى الطعام.
"خمط": بمعنى النبات المرّ وهو "الأراك".
"أثل": شجر معروف.
وبذا يكون قد نبت محلّ تلك الأشجار الخضراء المثمرة، أشجار صحراوية غليظة ليست ذات قيمة، والتي قد يكون "السدر" أهمّها، وهذا أيضاً كان نادراً بينها.
ولك - أيّها القارىء - أن تتخيّل أي بلاء حلّ بهؤلاء وبأرضهم؟!
ولعلّ ذكر هذه الأنواع الثلاثة من الأشجار التي بقيت في تلك الأرض المدمّرة إشارة إلى ثلاثة اُمور: أحدها قبيح المنظر، والثّاني لا نفع فيه، والثالث له منفعة قليلة جدّاً.
﴿فَأَعْرَضُوا﴾ عن الشكر ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ سيل المطر الشديد أو الجرذ لأنه نقب سكرا عملته بلقيس لمنع الماء أو واد أتى السيل منه أو المسناة التي يمسك الماء جمع عرمة وهي الحجارة المركومة ﴿وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى﴾ تثنية ذوات مفرد على الأصل ولامه ياء ﴿أُكُلٍ﴾ ثمر ﴿خَمْطٍ﴾ هو كل نبت فيه مرارة أو كل شجر لا شوك له أو الأراك ﴿وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾.