لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لذا - وكإستخلاص للنتيجة - تقول الآية الكريمة التي بعدها: (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضرّاً). وبناءً على ذلك فلا الملائكة - الذين هم ظاهراً معبودون - يستطيعون الشفاعة لهم، ولا هم يستطيعون مساعدة بعضهم البعض. (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذّبون). ليست هذه هي المرّة الاُولى التي يعبّر فيها القرآن عن المشركين بـ "الظلم" بل ورد ذلك في الكثير من آيات القرآن. التعبير عن "الكفر" بـ "الظلم". أو عن "الكافرين والمشركين" بـ "الظالمين". ذلك لأنّهم قبل كلّ شيء ظلموا أنفسهم بخلعهم تاج العبودية لله عن رؤوسهم، ولفّوا طوق الذلّة للأوثان على رقابهم. ودمّروا شخصيتهم ومصيرهم. وفي الحقيقة فإنّهم سيعاقبون يوم القيامة على شركهم وعلى إنكارهم للمعاد، وجملة (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذّبون) تشتمل على المعنيين. بحوث 1- الإنفاق سبب النماء لا النقصان التعبير الوارد في الآية السابقة يحتوي على معان جمّة: أوّلا: فمن جهة أنّ كلمة "شيء" بمعناها الواسع تشمل كلّ أنواع الإنفاق، المادّي والمعنوي القليل والكثير، لأيّ من المحتاجين كان الإنفاق، صغيراً أو كبيراً، المهمّ أن يعطي الإنسان شيئاً ممّا يملك في سبيل الله بأي كيفية كان وبأي كميّة كانت. ثانياً: لقد أخرجت الآية (الإنفاق) بمفهومه من "الفناء"، ولوّنته بلون "البقاء" لأنّ الله ضَمِنَ إخلاف ما يُنفق في سبيله بمواهبه المادية والمعنوية، بمرّات مضاعفة، مئات الآلاف، أقلّها عشرة أضعاف، وبذا فإنّ المنفق - وبهذه الروحية وهذا الإعتقاد - سيلج ميدان الإنفاق بيد وقلب أكثر إنفتاحاً، ولن يخطر على باله إحساس بالقلّة، ولن يفكّر بالفقر، بل إنّه سيشكر الله على حسن توفيقه له على هذه التجارة الوفيرة الربح. وقد عبّر القرآن في الآيات (10) و (11) من سورة الصفّ عن هذا المعنى فقال: (ياأيّها الناس هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم - تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون). ونقرأ في الحديث عن الرّسول الأكرم (ص): ينادي مناد كلّ ليلة: لدوا للموت. وينادي مناد: ابنوا للخراب. وينادي مناد: اللهمّ هب للمنفق خلفاً. وينادي مناد: اللّهمّ هب للممسك تلفاً. وينادي مناد: ليت الناس لم يخلقوا. وينادي مناد: ليتهم إذ خلقوا فكّروا فيما له خلقوا!!"(3). والمقصود من هؤلاء المنادين هم الملائكة الذين يدبّرون اُمور هذا العالم بأمر الله. وفي حديث آخر عنه (ص): "من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة"(4). وقد نقل نفس المعنى عن الإمامين الباقر والصادق (ع). والجدير بالتذكير هو أنّ الإنفاق يجب أن يكون من المال الحلال والكسب المشروع، وإلاّ فلا قبول لغيره عند الله ولا بركة فيه. لذا فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) حينما سأله أحدهم قال: قلت: آيتان في كتاب الله عزّوجلّ أطلبهما فلا أجدهما. قال (ع) "وما هما؟". قلت: قول الله عزّوجلّ: (ادعوني أستجب لكم)، فندعوه ولا نرى إجابة. قال (ع): أفترى الله عزّوجلّ أخلف وعده؟". قلت: لا. قال: فممّ ذلك؟ قلت: لا أدري. قال (ع): "لكنّي أخبرك، من أطاع الله عزّوجلّ فيما أمره من دعائه من جهة الدعاء أجابه". قلت: وما جهة الدعاء. قال: "تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثمّ تشكره ثمّ تصلّي على النّبي (ص)، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها، ثمّ تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء". ثمّ قال (ع): "وما الآية الاُخرى؟". قلت: قول الله عزّوجلّ: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)وإنّي أنفق ولا أرى خلفاً؟ قال: "أفترى الله عزّوجلّ أخلف وعده؟ قلت: لا. قال: "فممّ ذلك؟". قلت: لا أدري؟ قال: لو أنّ أحدكم إكتسب المال من حلّه وأنفقه في حلّه لم ينفق درهماً إلاّ أخلف عليه"(5). 2- أمّنوا على أموالكم بتأمين إلهي!! لأحد المفسّرين تحليل جميل بهذا الخصوص، يقول: "ثمّ إنّ من العجب أنّ التاجر إذا علم أنّ مالا من أمواله في معرض الهلاك يبيعه نسيئة وإن كان من الفقراء، ويقول بأنّ ذلك أولى من الإمهال إلى أن يهلك المال، فإن لم يبع حتّى يهلك ينسب إلى الخطأ، ثمّ إن حصل به كفيل مليء ولا يبيع ينسب إلى قلّة العقل. فإن حصل به رهن وكتب به وثيقة ولا يبيعه ينسب إلى الجنون، ثمّ إنّ كلّ أحد يفعل هذا ولا يعلم أنّ ذلك قريب من الجنون، فإنّ أموالنا كلّها في معرض الزوال المحقّق، والإنفاق على الأهل والولد إقراض، وقد حصل الضامن المليء وهو الله العلي وقال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) ثمّ رهن عند كلّ واحد إمّا أرضاً أو بستاناً أو طاحونة، أو حمّاماً أو منفعة، فإنّ الإنسان لابدّ أن يكون له صفة أو جهة يحصل له منها مال، وكلّ ذلك ملك الله، وهو في يد الإنسان بحكم العارية، فكأنّه مرهون بما تكفّل الله من رزقه ليحصل له الوثوق التامّ، ومع هذا لا ينفق ويترك ماله ليتلف لا مأجوراً ولا مشكوراً"(6). 3- سعة مفهوم الإنفاق: لأجل فهم الحدّ لمفهوم الإنفاق في الإسلام، نطالع الحديث التالي عن الرّسول الأكرم (ص) إذ يقول: "كلّ معروف صدقة، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة، وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها، إلاّ ما كان من نفقة في بنيان أو معصية"(7). يبدو أنّ إستثناء البنيان من قانون الإخلاف، لأنّ عين البناء باقية، أو لأنّه يكثر توجّه الناس إليه. ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ إذ الأمر فيه لله وحده خطاب للملائكة والكفرة ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ عنادا.