أجل بعثنا موسى وأخاه هارون بهذه الآيات وسلطان مبين (إلى فرعون وملأه).
لماذا تتحدّث الآية فقط عن الملأ (المجتمع المترف المعاند أو ما يسمّى بطبقة الأشراف).
ولم تقل أنّ رسالتهما إلى شعب مصر كلّه.
لعلّ ذلك إشارة إلى أنّ الفراعنة هم أساس الفساد، وإن صلحوا فالباقون أمرهم سهل.
إضافةً إلى كونهم قادة البلد، ولا يصلح أي بلد إلاّ بصلاح قادته.
إلاّ أنّهم (فاستكبروا) لأنّهم لم يرضخوا لآيات الحقّ والسلطان المبين.
والفراعنة كانوا - أساساً - مستكبرين طاغين، كما تقول الآية (وكانوا قوماً عالين).
والفرق بين العبارتين (استكبروا) و (كانوا قوماً عالين) أنّ العبارة الأُولى قد تكون إشارة إلى إستكبارهم عن دعوة موسى (ع)، والعبارة الثّانية تشير إلى أنّ الإستكبار يشكّل دوماً برنامجهم وبناءهم الفكري والروحي.
ويحتمل أيضاً أن تكون العبارة الأُولى إشارة إلى تكبّر الفراعنة، والثّانية إلى أنّهم كانوا يتمتّعون بقدرة متعالية وحياة متميّزة.
وهذا سبب إستكبارهم.
ومن الدلائل الواضحة على إحساسهم بالإستعلاء، قولهم: (وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون)(2) فلم يكتفوا بالقول إنّنا لا ينبغي لنا اتّباع موسى وهارون، بل لابدّ أن يكون موسى وهارون عبدين دائمين لهم.
فهؤلاء الذين اتّهموا الأنبياء (عليهم السلام) بالتسلّط في وقت هم أسوأ من كلّ متسلّط، وكلامهم يشهد على ذلك.
وعلى كلّ حال فقد تصدّوا لموسى وأخيه هارون بهذه الأدلّة الخاوية، مخالفة منهم للحقّ (فكذّبوهما فكانوا من المهلكين).
وهكذا إنتهى أعداء بني إسرائيل الذين كانوا سدّاً مانعاً لدعوة موسى وهارون إلى الله سبحانه.
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن قبول الحق ﴿وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ قاهرين بالظلم.