لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير فاتح مغاليق الأبواب! تبدأ هذه السورة- كما هو الحال في سورة الفاتحة وسبأ والكهف- بحمد الله والثناء عليه لخلقه هذا الكون الفسيح، يقول تعالى: (الحمد لله فاطر السموات والأرض). "فاطر" من مادّة "فطر" وأصله الشقّ طولا، لأنّ خلق الموجودات يشبه شقّ ظلمة العدم وظهور نور الوجود، إستخدم هذا التعبير فيما يخصّ الخلق، خصوصاً إذا لاحظنا ما يقوله العلم الحديث من نظريات تشير إلى أنّ مجموعة عالم الوجود كانت في البدء كومة واحدة ثمّ انشقّت تدريجيّاً عن بعضها. وإطلاق كلمة "فاطر" على الله سبحانه وتعالى، يعطي للكلمة مفهوماً جديداً وأكثر وضوحاً. نعم فنحن نحمد الله ونشكره على خالقيته، لأنّ كلّ ما هو موجود منه تعالى، وليس لأحد ممّن سواه شيء من ذاته(1). ولأنّ تدبير اُمور هذا العالم قد نيطت من قبل الباري عزّوجلّ- بحكم كون عالمنا عالم أسباب- بعهدة الملائكة، فالآية تنتقل مباشرةً إلى الحديث في خلق الملائكة وقدراتها العظيمة التي وهبها الله إيّاها! (جاعل الملائكة رسلا اُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كلّ شيء قدير). هنا تطرح ثلاثة أسئلة: الأوّل: ما هي رسالة الملائكة التي ورد ذكرها في الآية؟ هل هي رسالة تشريعية وجلب الأوامر من الباري إلى الأنبياء، أم انّها رسالة تكوينية، أي تحمّل مسؤولية المأموريات المختلفة في عالم الخلق، كما سترد الإشارة إليه لاحقاً، أم يُقصد منه الإحتمالان؟ يتّضح من ملاحظة ما ورد في الجملة الاُولى، من الحديث حول خلق السموات والأرض، وما ورد في الجملة الأخيرة من الحديث حول الأجنحة المتعدّدة للملائكة، والتي تدلّ على قدرتهم، وكذلك بملاحظة إطلاق مفهوم "الرسالة" بالنسبة إلى جميع الملائكة (يلاحظ أنّ الملائكة لفظة جمع لإقترانها بالألف واللام وتدلّ على العموم) يتّضح من ذلك كلّه أنّ المقصود من الرسالة مفهوم واسع يشمل كلا من "الرسالة التشريعيّة" و "الرسالة التكوينية". إنّ إطلاق لفظة الرسالة على "الرسالة التشريعية" وإبلاغ الوحي إلى الأنبياء ورد في القرآن بكثرة، وإطلاق هذه اللفظة أيضاً على "الرسالة التكوينية" ليس بالقليل كذلك. في الآية (21) من سورة يونس نقرأ (إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون). وفي الآية (61) من سورة الأنعام نقرأ (حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا). وفي الآية (31) من سورة العنكبوت ورد (ولمّا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنّا مهلكوا أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين). وفي آيات اُخرى من القرآن نرى أنّه قد عهد إلى الملائكة أيضاً بمأموريات مختلفة عدّت من رسالاتهم أيضاً، وعليه فإنّ للرسالة مفهوماً واسعاً. الثاني: ما هو المقصود بالأجنحة التي عبّر عنها بـ (مثنى وثلاث ورباع). ليس من المستبعد أن يكون المقصود بالأجنحة هنا هو القدرة على الإنتقال والتمكّن من الفعل، بحيث يكون بعضهم أفضل من بعض وله قدرة أكبر. وعليه فقد ذكرت لهم سلسلة من المراتب بالأجنحة، فبعضهم له أربعة أجنحة (مثنى إثنان إثنان)، والبعض له ستّة أجنحة، والبعض ثمانية، وهكذا. "أجنحة" جمع (جناح) ما يستعين به الطائر على الطيران، وهو بمثابة اليد في الإنسان، ولأنّ الجناح في الطائر يستخدم كوسيلة مساعدة على الإنتقال والحركة والفعّالية، فقد إستخدمت هذه الكلمة كناية عن وسيلة الحركة ذاتها وعامل القدرة والإستطاعة، فمثلا يقال: إنّ فلاناً إحترقت أجنحته، كناية عن فقدانه قدرة الحركة أو الإمكانية، أو أنّ الإنسان يجب أن يطير بجناحي العلم والعمل، والكثير من هذه التعبيرات التي تشير إلى المعنى المستعار لهذه الكلمة. كما يلاحظ أنّ المقصود من تعبيرات مثل "العرش" و "الكرسي" و "اللوح" و "القلم" هي المفاهيم المعنوية لها، وليس واقعها المادّي. من الطبيعي أنّه لا يمكن حمل ألفاظ القرآن على غير معانيها الظاهرية بدون قرينة، ولكن حيثما ظهر أثر لتلك القرائن فليس هناك مشكلة. ورد في بعض الروايات أنّ "جبرئيل" رسول الوحي الإلهي، له ستمائة جناح، وكان يملأ ما بين الأرض والسماء حينما يلتقي به الرّسول (ص)(2). أو ما ورد في "نهج البلاغة" حينما تحدّث أمير المؤمنين عن عظمة الملائكة. فقال: "ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم"(3). أو أنّ هناك ملائكة ما بين شحمة آذانهم وعيونهم مسيرة خمسمائة عام من الطيران(4). ومن الواضح انّ هذه التعبيرات لا يمكن حملها على البعد الجسماني والمادّي، بل المراد بيان العظمة المعنوية وأبعاد القدرة. ونعلم أنّ الجناح- عادةً- يُستفاد منه في جو الأرض، لأنّ الأخيرة محاطة بغلاف غازي من الهواء الضاغط، والطيور إنّما تستفيد من أمواج الهواء للطيران، والإرتفاع والإنخفاض، ولكن بمجرد خروجنا من المحيط الغازي للأرض حيث ينعدم الهواء فانّ الجناح ليس له أدنى تأثير في تحقيق الحركة، ويكون حاله حال سائر الأعضاء. ناهيك عن أنّ المَلَك الذي تكون أقدامه في أعماق الأرض ورأسه أعلى من أعلى السموات، ليس له حاجة إلى الطيران الجسماني!! البحث في هل أنّ "الملائكة" أجسام لطيفة أو من المجردات بحث آخر، سنشير له في البحوث ان شاء الله. المقصود الآن هو أن نعلم أنّ الجناح والريش بالنسبة لها وسيلة الفعّالية والحركة والقدرة، والذي عبّرت عنه القرائن المشار إليها أعلاه بقدر كاف، بالضبط كما قلناه بالنسبة لـ "العرش" و "الكرسي"، فانّ هاتين الكلمتين تشيران إلى قدرة الله في العالم من أبعاد مختلفة!! وفي حديث عن الإمام الصادق (ع) "الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، وإنّما يعيشون بنسيم العرش"(5). السؤال الثالث: هل أنّ عبارة (يزيد في الخلق ما يشاء) إشارة إلى زيادة أجنحة الملائكة؟ كما قال به بعض المفسّرين؟ أم أنّ لها معنى أوسع من ذلك بحيث يشمل عدا الزيادة في أجنحة الملائكة الزيادات التي تحصل في خلق الموجودات الاُخرى؟ إطلاق الجملة من جهة، ودلالة بعض الروايات التي جاءت في تفسير هذه الآيات من جهة اُخرى، يشير إلى أنّ المعنى الثاني هو الأنسب. فمن جملة ما ورد، حديث عن الرّسول (ص) في تفسير هذه الجملة أنّه قال: "هو الوجه الحسن، والصوت الحسن، والشعر الحسن". ونقر في حديث آخر عنه (ص): "حسّنوا القرآن بأصواتكم فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً" وقرأ (يزيد في الخلق ما يشاء). ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مبتدعهما والفطر الشق كأنه شق منهما العدم ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ إلى أنبيائه ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ ينزلون بها ويعرجون ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ في الملائكة وغيرهم ﴿مَا يَشَاء﴾ من حسن الوجه والصوت ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.