لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتشير الآية التالية إلى "توحيد العبادة" على أساس "توحيد الخالقية والرازقية" فتقول الآية الكريمة: (ياأيّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم). فكّروا ملياً ما هو منشأ كلّ هذه المواهب والبركات والإمكانيات الحياتية التي قيّضت لكم .. (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض). فمن الذي يرسل عليكم من الشمس نورها الذي ينشر الحياة، وحبّات المطر التي تحيي الموات، والنسيم الذي ينعش الروح؟ ومن الذي يخرج لكم من الأرض معادنها وذخائرها وغذاءها وأنواع نباتاتها وثمارها وبركاتها الاُخرى؟ فإذا علمتم أنّ مصدر كلّ هذه البركات هو الله، فاعلموا أنّ: (لا إله إلاّ هو). وعليه فكيف تنحرفون عن طريق الحقّ إلى الباطل، وتسجدون للأصنام بدلا من السجود لله سبحانه؟ (فأنّى تؤفكون). "تؤفكون": من مادّة "إفك"، بمعنى "كلّ مصروف عن وجهه الذي يحقّ أن يكون عليه" ولذا قيل لكلّ حديث ينصرف عن الصدق في المقال إلى الكذب "إفك" وإن كان البعض يرى أنّ هذه الكلمة تطلق على الكذب الفاحش والتهمة الشنيعة. بحث الملائكة في القرآن الكريم: تعرّض القرآن الكريم كثيراً لذكر الملائكة .. فقد تحدّثت آيات عديدة عن صفات، خصائص، مأموريات، ووظائف الملائكة. حتّى أنّ القرآن الكريم جعل الإيمان بالملائكة مرادفاً للإيمان بالله والأنبياء والكتب السماوية، ممّا يدلّل على أهميّة هذه المسألة الأساسية. (آمن الرّسول بما اُنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله).(6) وممّا لا شكّ فيه أنّ وجود الملائكة من الاُمور الغيبية التي لا يمكن إثباتها بتلك الصفات والخصائص إلاّ بالأدلّة النقلية، ويجب الإيمان بها على أنّه إيمان بالغيب. وبالجملة يطرح القرآن الكريم خصائص الملائكة كما يلي: 1- الملائكة موجودات عاقلة لها شعور، وهم عباد مكرمون من عباد الله (بل عباد مكرمون)(7). 2- مطيعون لأوامر الله ولا يعصونه أبداً: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون).(8) 3- أنّ لهم وظائف مهمّة وكثيرة التنوّع كلّفوا بها من قبل الباري عزّوجلّ. مجموعة تحمّل العرش (والمَلَك على أرجائها ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية).(9) مجموعة تدبّر الأمر (فالمدبّرات أمراً)(10). واُخرى لقبض الأرواح (... حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم ...).(11) وآخرون يراقبون أعمال البشر (وإنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون).(12) مجموعة تحفظ الإنسان من المخاطر والحوادث (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون).(13) واُخرى مأمورة بإحلال العذاب والعقوبة على أقوام معيّنة (ولمّا جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب)(14) وآخرون يمدّون المؤمنين حال الحرب (ياأيّها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إن جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً)(15). وأخيراً مجموعة لتبليغ رسالات الوحي وإنزال الكتب السماوية للأنبياء (يُنزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلاّ أنا فاتّقون).(16) ولو أردنا الإسترسال في ذكر وظائف الملائكة لطال البحث واتّسع. 4- الملائكة دائمو التسبيح والتقديس لله سبحانه وتعالى (والملائكة يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض).(17) 5- وبناءً على أنّ الإنسان بحسب إستعداده للتكامل يمكنه أن يكون أعلى مقاماً وأشرف موضعاً من الملائكة فقد سجدت الملائكة بدون إستثناء لخلق آدم، وعدّوا آدم معلّماً لهم "الآيات 30- 34 سورة البقرة". 6- إنّ الملائكة يظهرون بصورة الإنسان للأنبياء وغير الأنبياء، كما نقرأ في الآية (17) من سورة مريم: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً). كذلك يذكر القرآن الكريم تجلّيهم بصورة إنسان لإبراهيم ولوط (هود- 69 و77) كما أنّه يستفاد من أواخر تلك الآيات أنّ قوم لوط أيضاً رأوهم بتلك الصورة الإنسانية السوية "هود- 78". فهل أنّ ذلك الظهور بالشكل الإنساني، له واقع عيني، أم هو بصورة تمثّل وتصرّف في قوّة الإدراك؟ ظاهر الآيات القرآنية يشير إلى المعنى الأوّل، وإن كان بعض من كبار المفسّرين قد إختار المعنى الثاني. 7- يستفاد من الروايات أنّ أعداد الملائكة كثيرة بحيث انّه لا يمكن مقايسة أعدادهم بالبشر بأي شكل من الأشكال، فحينما سئل الإمام الصادق (ع): هل الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ قال: "والذي نفسي بيده لملائكة الله في السموات أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها يأتي الله كلّ يوم بعملها والله أعلم بها، وما منهم أحد إلاّ ويتقرّب كلّ يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبّينا ويلعن أعداءنا، ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا"(18). 8- الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتزوجون، فقد ورد عن الإمام الصادق في حديث طويل قوله: "إنّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، وإنّما يعيشون بنسيم العرش"(19). 9- لا ينامون ولا يضعفون ولا يغفلون، ففي الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام "وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك، ... ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، لم يسكنوا الأصلاب ولم تضمّهم الأرحام" الحديث(20). 10- إنّ لهم مقامات، ومراتب متفاوتة (ما منّا إلاّ له مقام معلوم وإنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون)(21) وكذلك نقرأ في الحديث المذكور عن الإمام الصادق (ع): "وإنّ لله ملائكة ركعاً إلى يوم القيامة، وإنّ لله ملائكة سجداً إلى يوم القيامة"(22). ولمزيد الإطلاع على أوصاف الملائكة وأصنافهم يراجع كتاب "السماء والعالم" من بحار الأنوار، أبواب الملائكة (المجلد 59- الصفحات 144- إلى 326) وكذلك نهج البلاغة الخطب (1 و91- خطبة الأشباح- و109 و171). هل أنّ الملائكة بتلك الأوصاف التي ذكرناها، موجودات مجردة أم مادية؟ لا شكّ أنّ من غير الممكن أن تكون الملائكة بهذه الأوصاف من هذه المادّة الكثيفة، ولكن لا مانع من أن تكون أجساماً لطيفة الخلق، أجساماً فوق هذه المادّة المألوفة لنا. إثبات (التجرد المطلق) للملائكة من الزمان والمكان والجزئية، ليس بالأمر الهيّن، والوصول إلى تلك النتيجة ليس وراءه كثير فائدة، المهمّ هو أن نعرف الملائكة بالصفات التي وردت في القرآن والروايات الثابتة. وأنّها من الموجودات العلوية الراقية عند الله في مقامها ومكانتها، ولا نعتقد لها بغير مقام العبودية لله سبحانه، وأن نعلم بأنّ الإعتقاد بأنّها شريكة مع الله في أمر الخلق أو في العبادة كفر محض وشرك بيّن. نكتفي بهذا القدر من التفصيل حول الملائكة ونوكّل التفاصيل الأكثر إلى الكتب التي كتبت بهذا الشأن. ونرى في الكثير من عبارات "التوراة" لدى الحديث عن الملائكة عبارة "الآلهة" وهو تعبير مشرك ومن علائم تحريف التوراة الحالية، ولكن القرآن الكريم نقي من هذه التعبيرات، لأنّه لا يرى لها سوى مقام العبودية والعبادة لله تعالى وإطاعة أوامره، وحتّى أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته يتفوّق الإنسان الكامل على الملائكة في المرتبة والمقام. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ احفظوا وأدوا حقها بشكر مولاها قولا وعملا واعتقادا ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ إلا الله ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ فمن أين تصرفون عن توحيده فتشركون منحوتكم به.