التّفسير
الأصنام لا تسمع دعاءكم!!
تعاود هذه الآيات الإشارة إلى قسم آخر من آيات التوحيد والنعم الإلهية اللامتناهية، لكي تدفع الإنسان مع تعريفه بتلك النعم إلى شكرها ومعرفة المعبود الحقيقي، وليرجع عن أيّ شرك أو عبادة خرافية، يقول تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل).
"يولج" من مادّة "إيلاج" بمعنى الدخول في مضيق. ويمكن أن يكون إشارة إلى أحد المعنيين أو كليهما، أي: الزيادة والنقص التدريجي في الليل والنهار على مدار السنة. ممّا يؤدّي إلى حصول الفصول المختلفة بكلّ آثارها وبركاتها، أو الإنتقال التدريجي من الليل إلى النهار وبالعكس، وذلك بواسطة الشفق والغسق الذي يقلّل من مخاطر الإنتقال المفاجىء من النور إلى الظلام وبالعكس(1).
ثمّ يشير إلى مسألة تسخير الشمس والقمر فيقول تعالى: (وسخّر الشمس والقمر). وأيّ تسخير أفضل من حركة هذين الكوكبين باتّجاه تحقيق المنافع المختلفة للبشر، وهذا التسخير يعتبر مصدراً لمختلف أنواع البركات في حياة البشر، فإنّ السحاب والريح والقمر والشمس والأفلاك في حركة دائبة لكي يستطيع الإنسان إدامة حياته، وليفيق من غفلته فيذكر الواهب الأصلي لهذه المواهب بالنسبة إلى تسخير الشمس والقمر عرضنا شرحاً في تفسير الآية الثانية من سورة الرعد والآية 33 من سورة إبراهيم).
ومع ما تتمتّع به الشمس والقمر في أفلاكها من مسير دقيق ومنتظم لتؤدّي المنفعة المناسبة والجيّدة للبشر، فإنّ النظام الذي يحكمها ليس بخالد، فحتّى هذه السيارات العظيمة بكلّ ذلك النور والإشراق ستصيبها العتمة في النهاية. وتتوقّف عن العمل. لذا يشير تعالى إلى ذلك بعد ذكر التسخير فيقول: (كلّ يجري لأجل مسمّى).
فبمقتضى (إذا الشمس كوّرت وإذا النجوم إنكدرت)(2)، فإنّها جميعاً ستواجه مصير الإنطفاء والفناء.
بعض المفسّرين ذكر تفسيراً آخر لجملة (أجل مسمّى)، وذلك أنّها تعبير عن حركة دوران الشمس والقمر حول محوريهما، والتي تتمّ في الاُولى في عام، وفي الثانية في شهر واحد(3).
ولكن بملاحظة الموارد التي استعمل فيها هذا التعبير في القرآن الكريم- بمعنى إنتهاء العمر- يتّضح أنّ التّفسير المشار إليه صحيحاً، كما أنّ التّفسير الأوّل أيضاً- أي نهاية عمر الشمس والقمر- ورد في الآيات (61- النحل و45- فاطر 42- الزمر 4- النور 67- غافر).
ثمّ يقول تعالى مسلّطاً الضوء على نتيجة هذا البحث التوحيدي (ذلكم الله ربّكم) الله الذي قرّر نظام النوم والظلام والحركات الدقيقة للشمس والقمر بكلّ بركاتها. (له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير)(4).
"قطمير": على ما يقول الراغب: هو الأثر في ظهر النواة، وذلك مثل للشيء الطفيف، ويقول "الطبرسي" في مجمع البيان والقرطبي في تفسيره: هو الغشاء الرقيق الشفّاف الذي يغلف نواة التمر بكاملها. وعلى كلّ حال فهو كناية عن موجودات حقيرة تافهة.
نعم فهذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع، لا تدفع عنكم ولا حتّى عن نفسها، لا تحكم ولا تملك حتّى غلاف نواة تمر! فإذا كانت حالها كذلك، فكيف تعبدونها أيّها المغفّلون، وتريدون منها حلا لمشكلاتكم.
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو منتهى دوره أو مدته أو يوم القيامة ﴿ذَلِكُمُ﴾ الفاعل لهذه الأشياء ﴿اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ قشر نواة.