التّفسير
جميع الاُمّة يد واحدة:
تحدّثت الآيات السابقة عن ماضي الأنبياء واُممهم، أمّا هذه الآيات فخاطبت الجميع فقالت: (ياأيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليم).
الفرق بينكم أيّها الأنبياء وبين سواكم من البشر، ليس في أنّكم لا تتّصفون بصفاتهم كالحاجة إلى الطعام والشراب والنوم والراحة، وإنّما بسموّكم، ففيما يتهافت الناس على إشباع شهواتهم بما طاب وخبث وقد جعلوا من الأكل هدفهم النهائي، زكت أنفسكم، وإختارت الطيّبات وصالح الأعمال.
بين عبارتي (كلوا من الطيّبات) و (اعملوا صالحاً) إرتباط واضح، فلنوع الغذاء أثر في نفس الإنسان وعقله وسلوكه.
وقد ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ تناول الغذاء الحرام يمنع إستجابة الدعاء.
وروي عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لرجل سأله عن إستجابة دعائه "طهّر مأكلك ولا تدخل بطنك الحرام"(1) و (2).
وقوله تعالى: (إنّي بما تعملون عليم) بنفسه دليل مستقل على وجوب القيام بالعمل الصالح، لأنّ الإنسان عندما يعلم بأنّ الله يراقب أعماله، ولا يخفى عليه شيء وسوف نحاسبه بدقّة على ذلك، فلا شكّ في أنّ الإلتفات إلى هذا الأمر يساعد في إصلاح عمله.
مضافاً إلى أنّ تعابير الآية هذه تبعث في الإنسان الشعور بضرورة تقديم الشكر لله على ما أنعم عليه من الطيّبات، وبذلك تؤثّر في عمله أيضاً.
وبهذا بيّنت الآية ثلاثة مؤثّرات في العمل الصالح:
الأوّل: طيب الغذاء الذي يورث صفاء القلب ونقاوته.
والثّاني: شكر الله تعالى على ما أنعم به من رحمته.
الثّالث: الشعور اليقظ بمراقبة الله سبحانه للأعمال كلّها.
أمّا كلمة "الطيب" فهي كما قلنا تعني كلّ شيء نظيف وطاهر.
وهي نقيض كلمة "الخبيث" قال الراغب الاصفهاني في مفرداته: الطيب يعني: كلّ ما يسرّ الإنسان حسيّاً وروحياً، أمّا من الناحية الشرعية فهو الحلال الطاهر.
والقرآن المجيد ذكر الطيب والطيبات في كثير من الموارد:
(ياأيّها الرسل كلوا من الطيّبات)(3).
ثمّ لا يقصر الأمر على الرسل، بل: (ياأيّها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم)(4) بل إنّ ما يصل إلى مقام القرب هو الطيّب من الأعمال والأقوال: (إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه)(5).
وأحد امتيازات الإنسان الكبيرة على سائر الموجودات أنّ الله تعالى رزقه من الطيّبات: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا)(6).
كما جاء في حديث موجز ثر المعنى عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عرض لهذه الحقيقة "ياأيّها الناس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً"(7).
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ المستلذات المباحات ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ أي الطاعات ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فأجازيكم به.